كسب الرزق والسعي لأجله حاجة فطرية لكل البشر، دعا لها القران الكريم، قال الله تعالى:
(هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور- الملك: 15)، فقد جاء الشرع الحنيف بالحث على السعي في تحصيل الرزق واكتسابه على أنه وسيلة لغايات محمودة ومقاصد مشروعة، وجعل للحصول عليه ضوابط وقواعد واضحة المعالم، لا يجوز تجاوزها ولا التعدي لحدودها كي تتحقق مصالح الفرد والجماعة. قال تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)، فالكسب الطيب والمال الحلال ينير القلب، ويشرح الصدر، ويورث الطمأنينة والسكينة والخشية من الله، ويعين الجوارح على العبادة والطاعة، ويستجلب قبول العمل الصالح وإجابة الدعاء، كما أن تحري الحلال في كسب الرزق يستنزل البركة والخير والهناء للمجتمع، قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)، لأجل هذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يتحرون الحلال في كسبهم ومعاشهم، ويتجنبون الحرام والشبهات لإدراكهم عاقبة الحرام في الدنيا والآخرة.
يتوهم البعض أن الاقتصار على الحلال فقط يضيق الأرزاق ويفوت الفرص ويعيق التنمية، كما يخدع آخرون بما يرونه من استحلال دول إسلامية، وللأسف، للمحرمات، يدعون أنها فتحت لهم أبواب التنمية والنمو الاقتصادي، وآخرون يخدعون بضغوط غربية للتحرر والتحلل من ضوابط الشرع والقيم الأصيلة بدعوى الانفتاح على العالم، فأين هؤلاء من تحذير النبي صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر (أي الزنا) والحرير والخمر والمعازف، وفي لفظ: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، تعزف على رؤوسهم المعازف والمغنيات، يخسف الله بهم في الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير (ابن ماجة وصححه الألباني)
وكيف يفسر لنا هؤلاء علاقة تحليل ما حرم الله وتعدي حدوده بالتنمية والتقدم الاقتصادي؟ كيف نقبل أوهام وضلالات أعداء الأمة، وندع كتاب الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم؟ كيف يتجرأ البعض ليطالبوا بإباحة الخمور تحت ذريعة الانفتاح، والخمر معلوم من الدين بالضرورة حرمة شربها وبيعها وحملها والإعانة عليها بأي وجه من الوجوه، لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون - المائدة 90). وعن أنس بن مالك قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له). (صحيح اللجنة الدائمة)
فمن ذا الذي يتحمل وزر هذه اللعنات من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا يجوز مطلقا أن تتخذ المحرمات وسيلة للانفتاح الاقتصادي والتنمية، فتحليل المحرمات أمر منكر عظيم لعن الله بسببه اليهود، ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها» ومعنى: (فجملوها) أي: أذابوها فباعوها مذابة، قال الخطابي رحمه الله: «في هذا الحديث بيان بطلان كل حيلة يحتال بها للتوصل إلى المحرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه» (معالم السنن).
لقد حفظ الله تعالى هذه البلاد عبر تاريخها حفظا أصبح معلوما لكل ذي بصيرة، وما ذاك إلا لما ظهر من أهلها من توقير الدين وتجنب المحرمات وفعل الخيرات، وكم من شر صرفه الله عن بلادنا؟ وكم من فتنة أطفأها الله؟ وكم من ظالم قصمه الله؟ وكم من بلاء نزل على كثير من البلاد رفعه الله عن بلادنا؟ ما الذي استجلب لنا حفظ الله تعالى وأمنه، وأنزل علينا ستره ورزقه ومعونته؟ أليس تحريم الحرمات واجتناب الموبقات وفعل الخيرات والصدقات؟ ألم ينعم علينا ربنا بالأمن والأمان؟ وسعة الرزق والعافية في الأبدان؟ أهكذا يشكر ربنا ويحمد على هذه النعم؟ ألا نخشى وعيد الله وتحذيره «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد (7 إبراهيم)، هل صرفت الخمور ودور الخنا الأزمات الاقتصادية والمالية والفتن عن تلك الدول التي تتباهى بإباحتها؟