بيروت ـ ناصر زيدان
كادت الحادثة التي وقعت نهار الاربعاء الماضي في بلدة الكحالة في قضاء عاليه أن تشعل حربا داخلية خطيرة، ولولا تدخل الجيش اللبناني لكان أبناء البلدة استولوا على السلاح الذي تحمله الشاحنة التي انقلبت على كوع الطريق الدولية وسط القرية، ولكان عدد الضحايا بسبب الاشتباك قد تضاعف، ولم يكن ليقتصر على وفاة فادي بجاني من الكحالة وأحمد قصاص من كوادر حزب الله، لأن المتواجدين في المكان كانوا كثرا من الجهتين، والانفعال كان كفيلا بأن ينقل ردود الفعل إلى مناطق أخرى. والجيش في هذه الحالة تصرف بحكمة للحؤول دون انزلاق الوضع الى مسارات خطيرة، لكن منتقدي الجيش استغربوا إبعاد الأهالي عن الشاحنة ونقله لمحتوياتها إلى مستودعاته، بينما اعتبر مقربون من حزب الله انه كان على الجيش إعادة الأسلحة والذخائر المصادرة الى الحزب، والحزب يعتبر أنه يملك الحق بحمل ونقل السلاح وفقا لما ينص عليه البيان الوزاري، بينما غالبية اللبنانيين والقرار الأممي رقم 1701 يعتبران أن سلاحه ميليشاوي وغير شرعي.
مهما يكن من أمر او اختلاف في وجهات نظر فريقي الأزمة، فالمؤكد أن حادثة الكحالة لم تكن مدبرة مسبقا، وسقوط الشاحنة لم يكن في مصلحة حزب الله، لأنه كشف الاختلال الكبير الذي يحصل على مستوى نقل سلاح من قبل الحزب إلى بيروت وضواحيها، والشاحنة التي انحرفت ليست الوحيدة التي تنقل السلاح بالتأكيد، وكشف العملية فضح أعمال الحزب. والأكيد أيضا أن أهالي الكحالة والجوار لم يكن لديهم نية مسبقة لافتعال المشكلة التي حصلت، والضحية فادي بجاني محسوب سياسيا على أحزاب مسيحية صديقة للحزب.
لكن هذه الوقائع لا تخفف من خطورة ما حصل، ولا تبرر الهياج المتنامي على المستوى الأمني في الفترة الأخيرة، وافتضاح عمليات نقل السلاح في هذه الفترة بالذات، زاد من منسوب القلق عند الأطراف اللبنانية كافة، لاسيما في الساحة المسيحية، لأن هذه الساحة مازالت تعيش على صدمة اغتيال إلياس الحصروني المسؤول الجنوبي في حزب القوات اللبنانية في بلدة عين ابل الحدودية، وما ضاعف من التوتر ايضا الحديث عن زيارة قام بها قائد فيلق القدس إسماعيل قآاني الى لبنان، أعقبت أحداثا مشبوهة حصلت في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب مدينة صيدا، وقيل ان المجموعات التي حاولت السيطرة على المخيم مقربون من خط الممانعة.
الفشل السياسي للقوى والأحزاب اللبنانية في الوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية منذ ما يقارب العام، يساعد على تنامي حالة الاحتقان، وهذا الفراغ الدستوري الخطير ينعكس على مؤسسات الدولة الأخرى، ويفرض شيئا من الترهل على بعض القطاعات الرسمية الفاعلة، ومنها القوى العسكرية والأمنية التي تعاني من صعوبات كبيرة من جراء تدني قيمة رواتب أفرادها، وبسبب عدم قدرة الدولة على تأمين المطلوبات الضرورية من التجهيزات والمعدات لها.
صحيح أن القرار 1701 يمنع إدخال أي سلاح الى لبنان إلا للقوى النظامية، وصحيح أيضا أن غالبية المكونات اللبنانية تخشى من سلاح حزب الله لأنه سبق ان استخدمه في الداخل ضد لبنانيين، وحكمت عليه المحكمة الدولية بالمسؤولية عن الاغتيالات التي حصلت منذ العام 2004، لكن حل الإشكالية لا يمكن أن يحصل إلا بالحوار، والبديل عن الحوار هو فوضى أو حرب غير محسوبة النتائج قد تدمر ما تبقى من لبنان. حزب الله مطالب بالواقعية في فرض شروطه الحوارية، تحديدا على موضوع مرشحه لرئاسة الجمهورية وفي ملف الإستراتيجية الدفاعية، والقوى السيادية لا يمكنها القفز فوق الوقائع المؤلمة على الأرض، لأن الحزب يمثل شريحة كبيرة لا يمكن تجاهلها أو إلغاء دورها في المعادلة الداخلية.
حادثة الكحالة غير مدبرة، لكنها كانت خطيرة للغاية، ويجب تجاوز تداعياتها بالتواضع السياسي وبالحوار.