هو ذاك المربي والموجه لأولادنا، المبين لهم قواعد العلوم، والآخذ بأيديهم الى المعارف وسبل الخير، الباذل من نفسه في سبيل تعليم وتنوير عقول الآخرين، والذي قدمنا له فلذات أكبادنا، وهم من أغلى ما نملك من نعمة وهبنا الله إياها في الحياة الدنيا، نتأمل منه أن يحمل هذه المهمة ليقوم بها خيرا مما نظن، وليعطيهم أفضل مما نتوقع، لينشأ لنا جيلا صالحا مباركا يخدم دينه وأمته، ويكون قرة عين لنا، وليغرس فيه فضائل الأخلاق وكريم التعاملات، ولأهمية هذه المهمة نضع بين يديه الكريمتين هذه التأملات مع وظيفته السامية.
التعليم من وظائف الأنبياء والمرسلين، فقد حرصوا على الصلاة والسلام على تعليم أقوامهم طرق الرشاد والسداد، ووضعوا بين أيديهم أشرف العلوم وأكرمها، إذ شرف العلم بشرف المعلوم، فكل من تشبّه بشيء نال من أمره نصيبا (وكاد المعلم أن يكون رسولا).
المعلم هو ذاك المربي الذي يوجه الى مكارم الأخلاق قبل ان يبين نظريات العلوم، ويربي قبل ان يلقِّن، ويوجه قبل ان يعتب على التفريط في الدراسة.
ليتذكر المعلم الكريم انه يكون مع الأبناء التلاميذ غالبا أكثر مما يكون الوالدان مع أولادهما، فالمعلم (وأيضا المعلمة) بين يديه فلذات الأكباد، يراقبهم ويغرس في أنفسهم مكارم الأخلاق، فليحرص على تسديد صالح الأعمال في حياتهم، فهو مؤتمن على أمانة غالية، وأنفسٍ كريمة، ويحاسب عليها عند الله سبحانه، «وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
يفترض ويتوقع ان يكون المعلم قدوة لأولادنا، في قوله وفعله، ظاهرا وباطنا، يحاسب نفسه لو وقع في تقصير، وخصوصا في أمور الدين، أو بتفريط في التعامل، فلا يتوقع منه ان يخرج عن الحلم والأناة حين يتعامل مع أولاده التلاميذ، أو يكيل لهم بمكيال الانتصار للنفس في حال الغضب، والذي لن يأتي إلا بالشر والوبال على المربي والناصح، لهذا ننتظر منه دائما النصح في موضعه، والحلم في مكانه، والصبر في وقته، والحزم مع المناسب له، واللطف مع من يستحقه، «فأعط كل ذي حق حقه».
وحري بالمعلمين ان يكسبوا الخير والحسنات من باب حسن الخلق، فإن المعلمين والمعلمات إذا دخلوا للفصل وابتسم المعلم او المعلمة في وجه 30 تلميذا في الصف كسب بالابتسامة الواحدة 30 حسنة، وإذا كان ذلك في وقت الانصراف او الفسحة كسب بعددهم ايضا من الخيرات، وهكذا مع الكلمة الطيبة التي يوجهها للتلاميذ، ومثل هذه الحسنات مع تعليم الطالب الذي أتى ليسأل عن أمور لم يدركها في الفصل، بل والله إني لأعرف بعض الزملاء يفرح بالطالب الذي يسأله خارج الصف، فيقول ذاك نأخذ عليه الأجرة - أي التدريس في الصف - وهذا هو مجال كسب الأجر «وتبسمك في وجه أخيك صدقة».
المعلمة نبراس ونور من الفضائل والأخلاق تقتدي الطالبات بفعلها قبل قولها، فالبنات لغلبة الحنان والرقة في أنفسهن، ينظرن الى المعلمة بكل شوق وتلهف وإعجاب، وإلى كل ما تفعله او تقوله في انها نموذج يقتدى به، فينظرن الى مظهرها وأفعالها قبل أقوالها وتدريسها، لأنهن معها غالب نهار اليوم، بل ويعشن معها أشهرا عديدة من السنة، فالمعلمة بمقدورها وبحسن أخلاقها أو بسوئها أن تبث في نفوس البنات ما عجز عنه الوالدان من تربية او سلوك («والدال على الخير كفاعله».
لو سأل المعلم نفسه لماذا كل هذا الحرص على حسن العلاقة مع الطلبة، فأقول كم نسمع - وتسمعون - من ثناء عاطر ودعاء بظهر الغيب لمدرسين ومدرسات سعدوا به وهم لا يشعرون، ووالله ما وسعوا الناس بأموالهم ولكنهم وسعوهم بأخلاقهم وبابتساماتهم الحانية وبكلماتهم الطيبة، وبكريم تعاملهم مع الطلبة، وكم مر على كل واحد منا انه خرج من عند معلمه مسرورا مشروح الصدر، لأنه تعامل معه باستقبال طيب وبكلام جميل وحسن خلق، وكم من طلاب وطالبات فرحوا بدرس الأستاذ المبتسم صاحب الكلمة الطيبة، وكرهوا درس الأستاذ العبوس صاحب الألفاظ السيئة.
لا يتوقع من المعلم او المعلمة ان تكون مهنة التدريس عنده لأجل نثر كلمات جوفاء من العلوم، لا حظ لها في تهذيب النفوس او تقويمها، اذ هذا موجود في الحاسب الآلي، لكن كل معلم له نصيبه من التوجيه والرعاية والتربية، فالمعلم يعمل في وزارة قوامها رعاية التربية قبل ان تكون للتعليم، ولذا لا خير في أقوال وأفعال لا نصيب لها في التقويم وتربية السلوك.