أيها المسؤول أينما كنت وفي أي موقع أنت، يجب أن تضع عنوان المقال نصب عينيك، فدائما تذكر أن دوام الحال من المحال، لذلك استغل الوقت الذي أنت فيه حاليا وأنت على رأس منصبك، الذي هو مصدر قوتك، في أن تثبت لنفسك قبل الآخرين أنك أنت نقطة التحول في إدارة المنصب واستثمار العمل والإمساك بالمجداف بكل حنكة ومهارة لتقود وجهة المركب لطريق الصواب والازدهار والعدل بين الناس، وأن تؤدي مهامك بكل ما يرضي ضميرك أمام الله، فهذا الوقت المستقطع من تاريخك أفضل الأوقات لإثبات ذاتك في مسيرة خدمتك للبلاد والعباد، وأن تبادر وتتفانى في عمل الخير وكل ما يصب في المصلحة العامة، وأن تبذل كل ما أوتيت من قوة وجهد لخدمة الآخرين، وأن تنفع الناس ما استطعت ببصمتك الخاصة، فاختيارك لشغل هذا المنصب تكليفا وليس تشريفا، فأنت في هذا المنصب وهذا الموقع «الذي لا تحسد عليه» كونه أمانة ومسؤولية، أمانة أمام الله ثم مسؤولية امام عباد الله، فالهفوة لمن في مثل منصبكم ذنب لا يغتفر، أما العمل والإنجاز والتقدم فأمور تعتبر في صميم عملك وواجبك، فلا يغرنك الملتفين حولك من البطانة المتملقة والمتسلقة.
لذلك، يا صاحب المنصب الرفيع أزجي إليك بنصيحة الناصح المحب: أن تخلع نظارة البهرج المتعالي فأنت أتيت لهذا المكان انتخابا أو تعيينا لتعمل وتحارب من اجل رفعة شأن البلاد والعباد، لذلك يتحتم عليك أن تقوم من مكانك وتنتفض من على هذا الكرسي وتتابع القضايا بنفسك، وإن كان هنالك أفرع؟ قم بزيارات دورية لها، وتجول يمينا وشمالا وبكل الاتجاهات التي يفرضها منصبك عليك، وتواصل مع المقرات جميعها واجلس مع كل الموظفين، واستمع للجميع وافتح قلبك قبل باب مكتبك للمواطنين وهمومهم واسع انت بنفسك وبإشرافك على حل القضايا التي تسهل العيش على أهلنا المواطنين والمقيمين على حد سواء، فكلنا ندور بنفس الرحى، واليوم أنت هنا ذو منصب قد تكون ممن يرتدون النظارة السوداء والكرسي المرفه وحاشية وبطانة، وألف بواب وباب.. إلخ، وغدا تنتهي فترة خدمتك في المنصب، وتعود أدراجك كما كنت في السابق، مواطن لك همومك ومطالباتك، عندها لا تجلس على عتبات الذكريات وتقول لو بإمكاني العودة لغيرت الكثير وعملت أكثر، أنت فيها الآن، اعمل وجد بذلك، ولا تدع للندم مجالا، فمن الآن هيئ لنفسك ومقامك لما هو آت لا محالة، وأكرم نزلك فيه، بتاريخ مشرف من العطاء، تتكئ عليه وتفخر به، وهذا ما سيذكرك به أهلك ومن عملوا بمعيتك، حينها ستواجه في الشوارع الوجوه الباسمة لك حبا بك ولما صنعت، حينها ومن دون المنصب ستتلقفك الأيادي متسابقة لمصافحتك عرفانا منها واحتراما لتاريخ أنت صنعته بينهم، بالحب والثقة والعطاء شاركته مع كل من كان حولك صغيرا أو كبيرا.
أيها المسؤول الكريم إن العطاء هو أجمل شيء في الحياة وهو المنقذ بعد الممات، يقول عز من قال في سورة المنافقين آية 10 (رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) صدق الله العظيم، الميت هنا يتمنى أن يعود للحياة ليعمل عملا صالحا بشتى أبواب الطاعات لينفع به الآخرين، فأنفع الآخرين قبل أن يأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وأذكر نفسي وأذكركم بأبيات شاعر المواقف إبراهيم بن نقا، لا فض فوه:
الله من يوم يجي وأنت غايب
ويبقى وجودك للبشر بس تذكار
أما بقى ذكراك مع الناس طايب
ودعوة سجود تكون عتقك من النار
والموت ما يعرف شباب وشايب
أغنم ترى الأعمار في حكم الأقدار.