وهل هناك أكبر من هرم خوفو دليل على اهتمام المصريين بمقابرهم؟.. صحيح إن الزحف العمراني العشوائي في القاهرة أحدث تداخلا بين البيوت التي يسكنها الأحياء والمقابر التي يرقد فيها الراحلون عن عالمنا، بل وفي منطقة الإمام الشافعي والبساتين تحديدا تحولت كثير من المقابر إلى أماكن لسكن الأحياء، إلا أن هذه العشوائية الممجوجة يجب ألا تؤثر سلبا في واقع أن المنطقة تضم تراثا فريدا ومتميزا يجب الحفاظ عليه وحمايته وترميمه، وليس هدمه وتدميره.. قولا واحدا.
وقبل عامين تقريبا، انطلقت شرارة المعركة بين جنود إنقاذ القاهرة من الاختناق المروري البشع الذي جعلها إحدى أكبر مدن العالم تلوثا.. وبين خبراء الآثار والمعماريين وجماعات المجتمع المدني حول سؤال جدلي: هل نضحي بمقابر الراحلين لصالح تطوير شبكة الطرق والكباري، حتى وإن كان هؤلاء الراحلون من عينة أمير الشعراء أحمد بك شوقي وعميد الأدب العربي طه حسين وسيدة الغناء العربي أم كلثوم؟.. واستمرت المعركة منذ ذلك الحين بين شد وجذب، فذاك مدافع عن التاريخ والتراث حاملا «لواء» تقديس الموت والمقابر منذ أيام أجدادنا بناة الأهرام، وهذا رافع شعار «الحي أبقى من الميت» ويجب ألا تقف «مقابر» الموتى عائقا أمام تطوير حياة «الأحياء»، ومع علو كعب وصوت بناة الجسور وفاتحي الطرق، اضطر رئيس اللجنة الدائمة لحصر المباني والمنشآت ذات الطراز المميز لتقديم استقالته - من اللجنة التي تم تشكيلها بأوامر رئاسية لينضم إلى كثير من زملائه الذين سبقوه - وإن كان قد عدل عن الاستقالة حتى لا تستغلها قوى المعارضة سياسيا - ثم تقدم عدد من رموز المجتمع السياسي والمدني ببلاغ إلى النائب العام لوقف هدم المقابر الأثرية.
أعتقد أن الوقت لن يطول قبل أن ينتصر دعاة الحفاظ على التراث، ويضطر رافعو شعار تطوير شبكة الطرق والكباري إلى البحث عن أساليب تحقق الهدف الرائع الذي يعملون على تحقيقه - دون المساس بجزء مهم من تراث المصريين، الذي يجب حمايته ورعايته وعدم المساس به.
وهنا أحب أن أؤكد أنني لا أغفل أبدا الإنجاز غير المسبوق الذي تحقق في قطاع الطرق والجسور والنقل العام عموما وهو في رأيي «شبه معجزة» يستحق القائمون عليه كل الشكر والتقدير.. ولكن لا تمسّوا تراث أجداد المصريين.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
https://linktr.ee/hossamfathy