تعيش الأمة الإسلامية اليوم مرحلة صعبة من مراحل تاريخها، فبعد أن كانت أمة ذات سيادة وسؤدد، ولها الريادة في مختلف نواحي الحياة، العلمية والاقتصادية والاجتماعية بلا منازع، هي اليوم - مع الأسف - تأخرت كثيرا في نواحٍ عديدة، والسبب الرئيس في هذا التأخر والتقهقر محصور في أمر واحد ليس له ثان، ألا وهو، بعد الأمة عن كتاب ربها تبارك وتعالى وسُنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وهذا يظهر جليا في ضعف التوحيد في قلوب كثير من أفرادها، بسبب الغزو الفكري الغربي الذي استطاع اختراق حصون هذه الأمة، فنسج خيوطه في ثناياها، وأحاطها بسياج محكم، حجب عنها نور ماضيها التليد.
إن الأمة اليوم مهددة بطريقة واضحة وصريحة في ثقافتها وأخلاقها، فلا تكاد تخلو الشبكة العنكبوتية، على الرغم مما فيها من علوم نافعة، من معاول هدم للعقائد، ونسف للقيم والأخلاق، مما أثر سلبا على شباب الأمة بالدرجة الأولي، ما حدا بالمخلصين من أبنائها الى ضرورة البحث عن أفضل الطرق للعودة بالأمة الى سالف مجدها.
وقد قال الإمام مالك - رحمه الله - كلمة تكتب بماء الذهب، قال: لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.. فيعني ذلك أن تأخر هذه الأمة وتقهقرها إنما هو تأخر وتقهقر عن ركاب الإسلام، اعتقادا جازما، وإيمانا خالصا، وفهما صحيحا، واتباعا صادقا، وعملا صالحا. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم».
إن النهوض بهذه الأمة المباركة، لن يتحقق إلا إذا أعدنا تأهيل أفرادها ليتحملوا الأمانة بصدق وإخلاص، وهذا، ولا شك، يحتاج الى تسخير كل القوى لتحقيق هذا الهدف، والأمر لا يحتاج منا الى مؤتمرات واجتماعات وجداول أعمال، وخبراء فحسب، بل ينبغي أن يكون مع كل هذا صادق النية والعزم والعمل الجاد.
فيجب على كل غيور على هذه الأمة أن يصدق الله في نيته وعمله، وأن يجعل هذا المشروع مشروعه الذاتي، وأن يبدأ التنفيذ اليوم قبل غد، بعزم قوي واعتقاد راسخ، ويقين بأن الهدف لا محالة محقق بإذن الله.
إن الجميع مسؤول أمام الله تبارك وتعالى، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه.
فالبيت عليه مسؤولية، والمدرسة عليها مسؤولية، ومختلف مؤسسات المجتمع المدني كل بحسب موقعه، وكل بحسب إمكاناته، وكل في مجال حياته عليه مسؤولية، فكل مسلم مؤمن من هذه الأمة، مسؤول أمام الله وأمام أمته عن عودة الأمة الى ما كانت عليه من خيرية.
وحتى لا تفقد الأمل، فإن خيرية الأمة باقية الى يوم القيامة، وما تفريط أبناء الأمة في عصر من العصور أو زمن من الأزمنة في هذه الخيرية التي حباهم الله بها إلا علامة على الحاجة للتفكر ومراجعة الواقع واستدراك الأمر، فالأصل أن مكانة الأمة الإسلامية على رأس الأمم ومقدمتهم.