هادي العنزي
شهدت الرياضة الكويتية إنجازات متفرقة في العقود الثلاثة الأخيرة، حظيت بتقدير رفيع رسميا وشعبيا، ولعل الميداليات الأولمبية في سيدني 2000، ولندن 2012، وريو دي جانيرو 2016 التي حصدها أبطال الرماية تعد بمنزلة سنامها العالي، وجواهر التاج الرياضي، إلى جانب الفوز بكأس الخليج العشرين لكرة القدم في اليمن 2010، وإنجازات مرموقة متفرقة بين سنة وأخرى، في المبارزة حينا، وألعاب القوى والكراتيه أحيانا، وغيرها من الألعاب، وهي في مجموعها إنجازات يغلب عليها طابع «الاجتهاد الفردي»، والموهبة المتفردة، والظروف المحيطة، وما إن غاب أحد تلك العناصر، حتى أصبح الأمر برمته يخضع لحسابات التمني، والحظ العاثر.
وباختصار.. فالرياضة الكويتية، تدار بطريقة تكاد تكون استثنائية مقارنة بالمحيط الإقليمي، فهي «حكومية» التمويل كليا، ولا تستطيع أن تسير خطوة واحدة إلى الأمام دون الدعم المالي الحكومي، وبذات الوقت تدار فعليا من قبل مجالس إدارات منتخبة بطريقة «شعبية» لا تخضع لمعايير إدارية قياسية، فتأتي القرارات في سوادها الأعظم محدودة الأفق، لا تعتمد على دراسات علمية، أو تجارب رياضية ناجحة أو رؤية ثاقبة، تتماهى مع مصالح وقتية وتحاكي عاطفة الجماهير، مما يجعلها محدودة النفع، قليلة الأثر، ليمضي العمل رتيبا تحكمه «البيروقراطية»، وتديره عقلية الفريق الفائز.
ومن المفارقات «المبكية» التي تكشف عن سوء الإدارة في الأندية بأبشع صوره، تواجد أكثر من 10 مجمعات رياضية متكاملة للسباحة، عالية الجودة، عالمية الطراز، وباهظة التكلفة، لكنها لا تستغل بالشكل الأمثل، عدد كبير منها تؤجر مرافقها لشركات خاصة، دون رقابة مالية، ولا فائدة بعيدة المدى للناشئة واللعبة، والأمثلة المزعجة أكثر من أن تحصى، وما النتيجة القاسية التي حدثت أول من أمس في الصين بحق الأزرق الشاب إلا حلقة جديدة من «مسلسل الأحزان» الدرامي الطويل.
وإذا ما أردنا أن نقارن بين مرحلتين فاصلتين في تاريخ الرياضة الكويتية، ورغم أن لكل مرحلة ظروفها المحيطة، فإن الكثير من الرياضيين يذهبون إلى مرحلة ما قبل الغزو العراقي الغاشم، وهي مرحلة مزدهرة بالإنجازات الكبيرة مثل التأهل لكأس العالم 1982، وأول فريق عربي يفوز بكأس آسيا 1980، وإنجازات أخرى عديدة ومتنوعة في أغلب الرياضات.
فيما المرحلة الثانية التي بدأت بعد تحرير البلاد والعباد من الغزو الغاشم في 26 فبراير 1991، فنحن وللأسف منذ 32 عاما ونحن نسير بخطى «قلقة» يغلب عليها التردد والارتباك، وبخطط وضعت على عجل، غير صالحة للعصر الحديث، ولا تتماشى مع القفزات النوعية في الرياضة العالمية، حتى أخذت رياضتنا تنحسر شيئا فشيئا عن التواجد في البطولات الدولية الكبرى، وتتضاءل معها طموحات الرياضيين والجماهير على حد سواء.
نحن اليوم بأمس الحاجة لبداية جديدة كليا، ولتكن مرحلة رياضية ثالثة، تأتي معها بحلول عاجلة مؤطرة بـ «قرارات دولة» نافذة، تأخذ صفة «الضرورة»، لتعالج الخلل الإداري والتنظيمي الكبير في كيفية إدارة الرياضة المحلية، وتخلصنا من عبء «الرقابة» المبالغ فيها من المنظمات الرياضية الدولية في كل شاردة وواردة، وتلك في مجملها نتاج ممارسات إدارية محلية، وهي قرارات تضع معها إدارات الأندية والاتحادات مجتمعة تحت طائلة المحاسبة الفنية، والإدارية، والقانونية الصارمة والدائمة، وتعتمد الاحتراف الكلي، ونهضة عمرانية متكاملة في المنشآت الرياضية، وزيادة عدد الأندية، لتنطلق عجلة مرحلة ثالثة، تتسق مع المعطيات الحديثة، وتعيدنا إلى الواجهة قاريا ودوليا، وتنقذ رياضتنا من حالة الركود المميت، و«التحجر العضلي» القاتل، ويبث الحياة في «مفاصلها» المتعبة، وتلك مهمة ومسؤولية الهيئة العامة للرياضة واللجنة الأولمبية الكويتية معا، فاستمرار هذا الوضع لن يوصلنا إلى نهاية سعيدة ننشدها جميعا، فهذا الوضع الرتيب تبديد للوقت، وهدر للأموال، وتدمير للمواهب الفذة.. ولعلنا نبدأ قريبا تلك المرحلة، فبالإرادة وحدها تنتصر الشعوب، وتتحقق الأهداف.