يقول الروائي والأديب العربي نجيب محفوظ «الأصدقاء وطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة»، وهم كالمظلة كلما اشتد المطر ازدادت الحاجة إليها، ولكن صداقة العمل تظهر المعدن الحقيقي للرجال.
والذي يعيش في هذه الدنيا يرى من عجائبها صورا، ومن حوادثها عبرا، وأشدها تكديرا، وأعظمها إيلاما وتأثيرا.. أن نفقد أخا كبيرا كان لنا قائدا ملهما، ومعلما مدركا، تجلت به الصفات الرفيعة واجتمعت فيه الخصال الحميدة، ومن أي الأقطار أتيته قابلك بكرم فعال، إنه اللواء الركن متقاعد أحمد عبدالله البريكي، رحمه الله تعالى.
تخرج البريكي في الكلية العسكرية عام 1975 الدفعة 6، وتدرج في مناصب عدة زادها قوة ومهابة وتشريفا، فعلى سبيل الحصر تقلد آمر كتيبة المشاة في لواء الحق أثناء تحرير الكويت عام 1991، وآمر لواء مبارك المدرع/15 ومن ثم تسلم آمر لواء التحرير المشاة الآلي/6 حتى تقاعد من شرف الخدمة العسكرية برغبة منه عام 2009.
اتصف، رحمه الله، بالفضائل الجمة التي يذكرها له كل من جالسه، (وأنا واحد ممن جالسه)، حيث تميز بغزارته العلمية وقوته الشخصية القيادية، تصغي الآذان إليه أثناء الحديث، فتجد فيه النصح والإرشاد والتوجيه، وكما اتصف بأحسن الصفات وأجملها، ومرجعا مهما للقيادات من ذوي الصنوف المختلفة.
كان، رحمه الله، يهيئ القيادات للعمل الجماعي ويعطي كل زمرة حقها ومستحقها، وقد تشرفت بالعمل معه، فقال لي ذات مرة: «لا تستخدم عقلك بمعزل عن البيئة المحيطة»، وفي مرحلة ثانية خاطبني «سوف أكلفك بعاملين مهمين عليك بدراستهما وهما الأرض والطقس، فتبحر بدراستهما ثم قارن الدراسة على الطبيعة، لأن موقفنا مبني على دراستك» وهذا مصطلح مفهوم «الأرض التعبوية».
كان، رحمه الله، مدرسة علمية وسياجا من الحفظ والهيبة قل نظيره، وجلد كبير لا يقوى عليه إلا نوادر الرجال، فبصماته ملموسة وواضحة في كل الأحداث المتغيرة، حيث اتصف بالمثلث القيادي (الرحمة والعدالة والشورى)، وهو خلاصة مفهوم القيادة، فمن أدركها فقد شمل الصفات القيادية بأكملها، وذلك بمفهوميها «الحكمة والإنسانية».
وفي 21 سبتمبر 2023، ترجل الفارس المبدع عن صهوة جواده بعد مسيرة حافلة بالإنجازات والإبداعات، فكان أنموذجا للشخصية القيادية المتصفة بالرأي والعزم والثبات الذي لا يتزعزع، وسيخلده تاريخنا العسكري بأنه قد أدى رسالته على أكمل وجه وفتح آفاق القيادة لإخوانه، فرحمك الله أستاذنا رحمة واسعة، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا «أبا عبدالله» لمحزونون.
فهناك نجوم تظهر ونجوم تختفي، لا نعرف لماذا ظهر هؤلاء ولماذا اختفى هؤلاء، لكن ما نعرفه أن البقاء يكون للأذكى والأكثر اجتهادا.. ودمتم ودام الوطن.
[email protected]