صــدق من قال إن «الناس لها الظــاهر»، فعيون الناس تشاهد ظــواهر الأشياء ولا ترى بواطن الأشياء، فهـم حين يشاهدون إنسانا يرسل البسمات يمينا وشمالا ظنوا أنه يعيش في «بؤرة السعادة»، ولم يدركوا أنه قد يريد أن يواري آلامه وأحزانه ووخزان الزمن خلف تلك البسمات المرسلة!، حتى يتناسى ويتعافى ولو لوقت قصير!،
وإن شاهدوا صاحب اللباس المميز - الهندام الجميل - ظنوا أنه يعيش في «غاية البحبوحة»!، ولم يدركوا أنه قد يكون عندما اختار «جمال اللباس» فإنه يريد بذلك دحر كل العيون المجحفة التي قد تنظر إليه في يوم نظرة بها شيء من الانتقاص أو الاحتقار، أو ما شابه ذلك!.
إذن خلف كل مظهر حكاية، ويجب علينا عدم الحكم - بشكل قطعي- على إنسان بأن حكايته سعيدة أو حزينة، بناء على شكله الظاهري، فكم من شخص عرفه الناس وقيموه بشكل ما، وهو يخفي وراء ذلك أشياء وأشياء، أشياء بها المؤلم وبها المؤرق، وخلاف ذلك!.
إخوتي الأعزاء، عشت حياتي راضيا بأقدار ربي، حامدا له سبحانه، أمضي بين تفاصيل الحياة قويا بالله، وأواجه بين تلك التفاصيل ما هو جميل وحزين، وما هو مؤلم ومريح، وكان للآلام في الأيام وطر كبير في حياتي، ولكنني لم أستسلم وقلت يوما:
أحبس الدمعة رغم كل الجراح
لجل أبان بعين خلق الله قوي
وأخفي آلامي واسولف بارتياح
وأروي عروقي من العزة روي
فأنا بفضل الله أحاول جاهدا أن أكسر سيوف تلك الآلام، وأظهر أمام الأعين بأفضل «حلة»، حتى أبقي على نفسي «عزيزة» بإذن الله، وحتى أبقى في غاية السمو والشموخ، ليس تكبرا، ولكن رضا بالله الذي خلق الإنسان عزيزا، وما هي قيمة النفوس لولا كرامتها، ولولا عزها المؤطر بأخلاق الدين، وفي خضم كل هذا، نمى إلى علمي بشكل غير مباشر قول قائل يقول: «هاني دايم يضحك ودايم كاشخ! وعايش سعيد!» فتأثرت مع كلماته وأنا أرجو له السعادة والتوفيق، وقلت هذه القصيدة:
يحسبوني عايش الدنيا سعيد
ما سهى جفني ولا شفت الهموم
في نهاري بين بستان مديد
وفي مسايا ساكن قصر، مخدوم
آمر وأنهى وأنا الشخص العتيد
وكل شي أبغاه ياصل قبل أقوم!
جالس في ساحة القصر الفريد
ومن فراغي أحسب أعداد النجوم
ما دروا بالنفس والحال العنيد
غرهم شكلي، وضحكي، والهدوم
شافوا أني لابس لبس جديد
وضحكتي ياصل صداها للغيوم
وظنوا اني وارث ملك مجيد
وسالم من كف الأيام الظلوم
خلهم في ظنهم، خله يزيد
عزتي تفرض علي أبقى كتوم
أخفي آلامي عن عيون العبيد
وأتظاهر بالغنى، وأبقى عزوم
ما ألد الطرف للوجه النكيد
وما أمد الكف لكفوف الرخوم
أصبر، وصبري على الدنيا شديد
ولا ضعف عزمي أقاومه ويقوم
مستعين بخالق الكون المجيد
هو ملاذ الروح فراج الهموم
hanialnbhan@