تكتظ حقول محافظة الحسكة التي لطالما شكلت السلة الغذائية لسورية، بألواح الطاقة الشمسية التي وجد فيها المزارعون خيارا ناجعا لري مزروعاتهم وإعادة إحياء أراضيهم، في مواجهة شح الوقود وموجات الجفاف.
في أرض تغطيها زهور القطن في قرية الحدادية في ريف الحسكة الشرقي، يقول عبدالله المحمد لوكالة «فرانس برس»: «أنقذت الطاقة الشمسية الزراعة والمزارعين من الزوال».
قبل ثلاث سنوات، وعلى وقع جفاف هدد محاصيل القمح والقطن والشعير في منطقة تعتمد بغالبيتها على الزراعة البعلية وهطول الأمطار، نصب المحمد العشرات من ألواح الطاقة الشمسية «بسبب انخفاض كلفتها وعدم توفر المازوت والكهرباء»، لتشغيل مضخات استخراج المياه الجوفية من أجل الري.
ويقول «قبل الأزمة، كانت المحروقات متوافرة وكذلك الكهرباء، لكن الوضع بات صعبا اليوم».
واعتاد المزارعون ري أراضيهم عبر تشغيل مضخات تستخدم الكهرباء أو مولدات تعتمد على المازوت المدعوم. لكن سنوات الحرب الطويلة وانقطاع التغذية بالتيار على وقع شح المحروقات ورفع الدعم عنه تدريجيا، دفع المزارعين إلى التفتيش عن خيارات بديلة.
عبر الطاقة التي توفرها الألواح في منطقة تعرف بشمسها الساطعة خلال فصلي الربيع والصيف، بات المحمد قادرا على تشغيل مضخات سحب المياه لري حقول القطن.
ويروي كيف وفر ذلك عليه تكبد كلفة المحروقات التي بات سعرها باهظا إن توفرت، في حين بالكاد تلامس ساعات التغذية بالتيار عتبة الأربع ساعات يوميا.
ودفع عجز السلطات المسيطرة على الأرض السوريين في مختلف المناطق إلى الاعتماد، مجبرين، على الطاقة الشمسية، لا بوصفها خيارا صديقا للبيئة.
ويفاقم التغير المناخي الذي تعد سورية من بين الدول الأكثر تأثرا به، الوضع سوءا مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار، ما انعكس تراجعا في مستوى المياه الجوفية.
ويوضح المحمد «كانت المياه تخرج من عمق ثلاثين مترا، لكنها تراجعت إلى عمق ستين مترا»، الأمر الذي جعل ري المحاصيل أكثر صعوبة.
أما اليوم، ومع الطاقة الشمسية، «نحاول إحياء أرضنا من جديد» بعد سنوات اضطر فيها إلى تقليص المساحات المزروعة في حقول القطن والقمح والشعير التي يملكها.
طلب مستمر
ونتيجة عوامل عدة مرتبطة بالتغير المناخي، من المحتمل أن تتعرض مناطق شمال شرق سورية على المدى الطويل للجفاف مرة كل ثلاث سنوات، وأن ينخفض هطول الأمطار بنسبة 11 في المئة خلال العقود الثلاثة المقبلة، وفق تقرير نشرته منظمة IMMAP الدولية المتخصصة عام 2022.
وعلى بعد عشرة كيلومترات من قرية الحدادية، يقول حميد العودة (60 عاما) الذي يعتمد على 272 لوحا لتوليد الطاقة الشمسية، «تضررت محاصيل المزارعين الذين لا يعتمدون على الطاقة الشمسية، ويبست مزروعاتهم»، ويوضح أن «بعضهم بات اليوم يبيع المولدات لشراء الألواح».
جراء اعتماده على الطاقة الشمسية، تمكن العودة من زرع أربعين دونما من القطن، ويأمل أن يتمكن من زراعة حقول شاسعة بالقمح والشعير خلال فصل الشتاء.
وتكاد ألواح الطاقة الشمسية تحجب الرؤية عن أسطح المنازل وفي المزارع وحتى أمام المحال التجارية في محافظة الحسكة، أبرز مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سورية.
وفي حقل واسع في ريف الحسكة، يشرح محمد علي الحسين (22 عاما) الذي يحاول أن يحافظ على أرض ورثها عن والده، «في السابق، كنا ننتظر ثلاثة أيام أو أكثر للحصول على المحروقات، فتعطش الأراضي».
ويضيف «بتنا اليوم نسقي الأراضي منذ شروق الشمس حتى غروبها بالاعتماد على ألواح الطاقة».
في ريف القامشلي الغربي، يعتمد المزارع علي الحسين (60 عاما) بدوره على نظام الطاقة الشمسية، معددا من بين فوائده الكثيرة «لا أصوات ولا أعطال ولا حاجة للمازوت أو الزيت، ولا نواجه أي مشاكل».
ويضيف «إنها أفضل بديل عن الكهرباء.. وباستخدام أنظمة الري بالرذاذ، نتمكن من توفير المياه وري مساحات أكبر» بعدما «أثر الجفاف في المنطقة بشكل سلبي على المواطنين والثروة الحيوانية والزراعة».
إلا أن لارتفاع الطلب خلال السنوات القليلة الماضية على ألواح الطاقة الشمسية، تداعيات بيئية لا تؤخذ في الحسبان، وفق ما يوضح ديار حسن من شركة «ونلان» لبيع ألواح الطاقة الشمسية.
ويقول حسن لـ «فرانس برس»: «الطاقة الشمسية متجددة وصديقة للبيئة (..) لكن عمر الألواح المستخدمة هنا قصير، ثمة إقبال عليها لأن كلفتها منخفضة».
وحين تهترئ، ستجد المنطقة نفسها أمام ألواح «غير قابلة للاستخدام، وتعد نفايات مضرة للبيئة خصوصا مع غياب معامل تدوير».
رغم ذلك، يتوقع حسن الاعتماد على الطاقة الشمسية لسنوات عديدة مقبلة «لا لأنها طاقة متجددة (..) بل لأن السكان يحتاجون إلى الكهرباء ولم يعد هناك من بديل عنها».