ونحن في خضم حقبة التكنولوجيا والثورة الإلكترونية التي صاحبتها ثورة الذكاء الاصطناعي، تراجع لدينا الشغف لاقتناء الكتب التي تطرح القضايا الفكرية والاجتماعية والإنسانية.
مما يدل على أن هناك أبعادا حياتية أخرى تفوقت على الأنواع التقليدية من العلوم الإنسانية، والاجتماعية، بل أصبحنا في حقبة تحاكي ثورة الذكاء الاصطناعي في ظل تراجع لاحترام قيمة الوجود الإنساني لتصبح أغلب الحلول للأزمات والمسائل والقضايا مستهلكة لا تواكب الزخم العلمي والاقتصادي الجديد، يعكس ذلك غياب القيم الاجتماعية، وعدم الوعي بما تعنيه الحداثة من حداثة، لذلك نجد المكتبات تزخر بالبحوث العلمية التي من شأنها محاكاة الروبوتات والآلات والتي ظاهريا، تبتكر من أجل راحة الإنسان بالمقابل ستحل مكان الفرد، ومن هنا هذه الكتب لا تخدم النواحي المعنوية المجتمعية، بل تسير الإنسان لتعزيز فكرة البقاء والتي تعتبر نزعة فردية بامتياز.
إن فكرة الأنا أو النرجسية ليست حديثة على النفس البشرية، بل موجودة هذه النوعيات من البشر على مر الدهور، فأصبح المثقف في حالة تناقض فيما يملكه من ثوابت فكرية وفيما يتماشى مع زمنه، «ثورة الذكاء الاصطناعي» والخيال العلمي وغيرهما.
إن هذه الثورات الحديثة نقلة اقتصادية نوعية للمجتمعات والأفراد، فعندما يريد المثقف العربي طرح قضية إنسانية أو اجتماعية، وصفت الحلول بأنها ترقيعية وغير مجزية لمثل تلك القضايا المتعلقة بحياة الإنسان، وكأن الفكرة أن تحاكي مجتمعا إنسانيا اصطناعيا وليس حقيقيا، ومن هنا يتمركز الفكر الوحدوي ونزعات الأنانية الفردية.
دعونا نعترف بأن لكل حقبة من الزمان مثقفين يسخرون أقلامهم لرصد التقلبات الإنسانية والاجتماعية إلا أن تلك الكتب والمقالات إذا حاكت الإنسان وحده وجدنا العزوف لأن الاهتمام أصبح منصبا على التغيير في حياة المثقف، لذلك لا أبالغ إذا قلت إن الجيل الصاعد يريد «حقبة من الإثارة في خلق وتعليم ما هو بعيد عن العاطفة الإنسانية والاجتماعية، من خلال الأدوات الاصطناعية».
فمثلا، كتاب يحكي عن ثورة الأجنة الاصطناعية يباع أكثر بأضعاف المرات عن كتاب يحكي عن مشروعية الإجهاض، أو أساليب التربية.
الترويج والدعاية للكتب التي تعزز الأنا والنزعات الفردية، من أول ما يبعد المثقف أحيانا عن اقتناء الكتب الفكرية والاجتماعية والنقدية.
ناهيك عن التمويل لمثل هذه الكتب للمؤسسات الناشرة وتوظيفها في أفلام الخيال العلمي، مما يجعل الفرد المثقف متلقيا، وغالبا ما يكون البحث عن هذه الأسرار، أو محاكاتها عقليا وتحمل مخاوفها وآثارها نجدها من خلال السلوك الإنساني، لتصبح المادة النقدية الفكرية في مراحل متأخرة من الاهتمام الثقافي الاجتماعي.
وعليه فإن الدعاية والترويج للكتابة الخاصة بالعلوم التي تعنى بالذكاء الاصطناعي هي الأولى ليس عربيا فقط بل أيضا عالميا.
والتمويل أيضا لصنع هذه الأفكار عبر السينما والدراما جعل من قضايانا الاجتماعية والفكرية مواد عفى عليها الزمان بل أيضا فقدت المجتمعات الإيمان بحلها في المدى القريب، وأصبحت الحلول في الفكر الاجتماعي مغيبة.
[email protected]