يروق لنا عندما نرى دولة خليجية على خطى التوجه لإنهاء وجود التبغ ومنتجاته، ولفائفه ومشتقاته، وتداول الشيشة التقليدية والإلكترونية، فقد تخطت قطر الشقيقة شوطا رائعا عبر تشريع قانون لحظر بيع هذه المنتجات الحديثة وتداولها وتصنيعها والترويج لها والتشجيع على تعاطيها في الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، ودعمت القانون بعقوبات مشددة من السجن والغرامة المالية.
وفي الشمال الغربي من عالمنا، تعكف بريطانيا على دراسة حظر السجائر الإلكترونية، عندما استشعرت خطورتها على الأطفال إثر تسارع انتشارها بينهم، وقيام الحكومة بالتخلص من نفايات 5 ملايين من هذه السجائر أسبوعيا، بزيادة 4 أضعاف عن العام الماضي.
وفي فرنسا دقوا ناقوس الخطر، وعكفوا على دراسة حظرها نهاية العام الحالي، وذلك في جزء من خطة حكومية لإسدال الستار على كل أشكال التدخين خلال 5 سنوات، بعد إحصائيات بأن 75 ألف شخصا يقتلهم التدخين سنويا.
أستراليا هي الأخرى تخطط لمواجهة وباء السجائر «الترفيهية» والشيشة الإلكترونية، فوضعت شرطا لشرائها بتقديم شهادة طبية، وقبل ذلك سنغافورة وتايلند اللتان حظرتا كل أشكال هذه السجائر لتكلفتها الباهظة على الدولة والمجتمع، ولما ترى من إرهاق لميزانيتها الصحية.
لست هنا لأستعرض إحصائيات أو أتحدث عن نتائج آفة التدخين على الأفراد والأسر والأمم، فخلفية ذلك يدركها الجميع، فما أريده في هذه السطور هو أن أسلط الضوء على التدخين بشكله الجديد ورونقه المعاصر وإغرائه لشريحة الشباب والصغار في مجتمعنا، فالقلوب تعتصر وجعا عندما نرى هذه الآفة قد تمكنت من أدمغة الكثير منهم، وبلغت حد الظاهرة، وخلقت أجيالا جديدة من المدمنين، الذين يحصلون عليها بألوان زاهية وعبوات جذابة.
وتزداد المشاهد اليوم لنرى أطفالا بعمر الزهور يستخدمون السجائر التقليدية أو الإلكترونية، بل وصلت هذه السجائر إلى مدارسنا الابتدائية، حيث يسهل إخفاء السيجارة في شنطة الطالب وداخل مقلمته، ومن ثم يستخدمها في حمام المدرسة أو خارج أسوارها.
والأدهى والأمر أن هذه العدوى انتشرت بين الإناث، فنرى الأدخنة تتصاعد من نافذة سيارتها دونما حياء يلجمها أو أخلاق تردعها، وهناك أبناء يدخنون على مرأى من والديهم، وآباء وأمهات انعدمت ضمائرهم فلم يتورعوا عن التدخين أمام أبنائهم وبناتهم الصغار، وهذا يعني الوصول إلى مستوى يتطلب وقفة ومراجعة تربوية.
وإذ إننا أمام مئات الدراسات من الجامعات العالمية المرموقة ومراكز البحوث الكبرى التي تؤكد أن التبغ بأشكاله القديمة والمعاصرة، يؤدي لتلف الحمض النووي في الفم والجسم، ولزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والذبحات الصدرية والسرطانات الرئوية، فإن الظاهرة مازالت تتمدد وتأخذ المزيد من شعبيتها، وفي حين أن المدخن المبتلى بهذه الأمراض دفع ثمنا عظيما من صحته وماله، إلا أن أثمانا باهظة تقتطع من الميزانيات الحكومية للصرف على علاج هؤلاء سواء في الداخل أو الخارج، وهذا ما قض مضاجع الدول آنفة الذكر بعد أن استشعروا الخطر الداهم على أمتهم وشعوبهم، وهذا ما يدفعنا لأن ندق ناقوس الخطر في إطار الأسرة والمجتمع وصناع القرار لإنهاء هذا الشبح الذي يخيم على اقتصادنا وصحة مجتمعنا.
وقبل أن أختم مقالتي، أناشد الآباء والأمهات ألا يحملوا أبناءهم وبناتهم كلفة انجرارهم وراء التدخين ومجاهرتهم به بين أفراد الأسرة، فهذه كارثة تربوية، وأن يغرسوا فيهم أن هذه السجائر الإلكترونية الجاذبة إنما هي خدعة كاذبة، وأن ما يروج له من أن السجائر الإلكترونية هي البدائل الآمنة للتدخين العادي ليس إلا دعايات زائفة لموت مغلف بأزهى الألوان والنكهات.
أيها الأب الكريم، إن ابتليت بهذه المعصية والآفة، فتب منها وأقلع عنها، وإن كان لا محالة فاستتر منها أمام أبنائك وبناتك، وإن رأيت ابنك يحمل سيجارة بكل جرأة، فاعلم أنه يقلد أباه، ويضع رجله على نفس درب التهلكة، وسيقول لك: أفعل مثلك يا أبي، كما قال شاعرهم:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
هدانا الله جميعا.. آمين
[email protected]