قال بنك الكويت الوطني إن المؤشرات الرئيسية للاقتصاد الكويتي غير النفطي استمرت بالتحرك بوتيرة معتدلة خلال الربع الثالث من العام الحالي في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، والحالة الضبابية التي تحيط بالاقتصاد العالمي.
وزاد «الوطني» في تقرير له «تباطأت وتيرة نمو الإنفاق الاستهلاكي والائتمان المحلي بعد الأداء القوي الذي تم تسجيله العام الماضي، في حين تراجع أداء سوق الأوراق المالية على خلفية قلق المستثمرين في كافة أنحاء العالم من تأثير استمرار توقع ارتفاع أسعار الفائدة (لفترة أطول)».
وأكد أنه في الجانب المقابل، ظهرت بعض المؤشرات على تعافي الإنفاق الاستثماري خلال الفترة المقبلة في ظل استمرار الاتجاه التصاعدي لوتيرة إسناد المشاريع، بينما بدأت مبيعات سوق العقار بالاستقرار بعد الانخفاضات المتتالية خلال العام الحالي.
وأشار «الوطني» إلى أن الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط خلال الربع الثالث من العام الحالي والفترة المتاحة من أكتوبر نتيجة تراجع المعروض النفطي والمخاطر الجيوسياسية سيساهم في دعم وضع المالية العامة وقدرتها على الإنفاق والتوسع في مشاريع البنى التحتية.
وذكر أن الحكومة قامت قبيل انطلاق الدورة البرلمانية الجديدة نهاية شهر أكتوبر، بتحديد أولوياتها التشريعية وفقا لخطة العمل 2023-2027 والتي تتضمن تنمية المنطقة الشمالية، قانون ضرائب الشركات، قانون الإقامة، تعديلات على قوانين المناقصات، وقوانين التمويل العقاري والرهن العقاري، ومن المتوقع أن يعطي مجلس الأمة، من جانبه، الأولوية لمشاريع القوانين الرامية إلى إصلاح البديل الاستراتيجي (أي هيكل الأجور العامة)، وقوانين المعاشات التقاعدية والتمويل العقاري، علما أن مدى نجاح السلطتين في إيجاد أرضية مشتركة بشأن هذه الإصلاحات وغيرها سيحدد درجة تقدم وإنجاز أهداف التنويع الاقتصادي الرئيسية والاستدامة المالية.
أسعار النفط
وأشار التقرير إلى أن أسعار النفط ارتفعت في الربع الثالث من العام بدعم من خفض «أوپيك» وحلفائها لحصص الإنتاج بصورة موسعة خلال الربع الماضي وتحسن بيانات استهلاك النفط العالمية بوتيرة أفضل من المتوقع، إذ وصل سعر خام التصدير الكويتي إلى 98 دولارا للبرميل بنهاية الربع الثالث من 2023، مرتفعا بنسبة 26% مقارنة بالمستويات المسجلة بنهاية يونيو الماضي، إلا أن الأسعار شهدت تراجعا حادا بنسبة 11% في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر على خلفية عمليات جني الأرباح وتجدد المخاوف المتعلقة بالركود العالمي، قبل أن يدفع الصراع في غزة الأسعار مرة أخرى للارتفاع مع عودة ظهور علاوة المخاطر الجيوسياسية على الساحة، وبلغ سعر خام التصدير الكويتي نحو 94 دولارا للبرميل في منتصف أكتوبر.
وقال «الوطني» إنه من المتوقع أن يستمر شح إمدادات النفط العالمية في الربع الرابع من 2023 في الوقت الذي تواصل فيه السعودية وروسيا الوقوف وراء تخفيضات (أوپيك) وحلفائها لحصص الإنتاج، وبالنسبة للكويت، فقد بلغ إنتاج النفط الخام نحو 2.55 مليون برميل يوميا خلال الفترة الممتدة ما بين مايو إلى أغسطس، متماشيا مع حصة الإنتاج المخفضة وفقا لخطة (أوپيك) وحلفائها، مقابل 2.68 مليون برميل يوميا قبل قرارات شهر مايو.
وزاد: «إلا أن الحد الأدنى المستهدف يمثل تحديا للكويت، إذ تتطلع البلاد إلى تحقيق أقصى استفادة من مصفاة الزور التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 650 ألف برميل يوميا من أجل توفير وقود الديزل وزيت الغاز منخفض الكبريت وزيت الوقود إلى الأسواق الدولية، وخاصة الأوروبية، والتي تحتاج إلى كميات إضافية من الخام، وتم إنجاز ذلك الهدف من خلال إعادة توجيه جزء من النفط الخام المخصص للتصدير للسوق المحلية».
الإنفاق الاستهلاكي
وتطرق التقرير إلى أن الإنفاق الاستهلاكي شهد ارتفاعا طفيفا خلال الربع الثالث، وذلك بعد معدلات النمو الاستثنائية التي شهدها عقب الجائحة، إذ كشفت البيانات الصادرة عن بنك الكويت المركزي عن تسجيل إجمالي الإنفاق لنمو نسبته 8.7%، على أساس سنوي، مقابل 8.4% في الربع الثاني من عام 2023، ومن المتوقع أن تستمر وتيرة اعتدال النمو خلال الفترة المتبقية من العام الحالي على خلفية ارتفاع تكاليف الاقتراض والرؤية الضبابية التي تحيط بالاقتصاد العالمي.
وذكر التقرير أن قيمة المبيعات العقارية بلغت 678 مليون دينار في الربع الثالث من 2023، بانخفاض نسبته 16% على أساس سنوي وان كان بارتفاع هامشي مقارنة بالربع السابق، وانخفضت مبيعات القطاع السكني 355 مليون دينار مرة أخرى، بنسبة -18% على أساس سنوي مسجلة بذلك أقل وتيرة تراجع منذ الربع الرابع من عام 2022.
من جهة أخرى، ارتفعت مبيعات القطاع الاستثماري (الشقق والمجمعات السكنية) بنسبة 6% على أساس ربع سنوي إلى 212 مليون دينار، في حين انخفضت مبيعات العقارات التجارية إلى 111 مليون دينار، مسجلة تراجعا بنسبة 2% على أساس ربع سنوي.
ويشير الرقم القياسي لأسعار العقار والمستند على بيانات وزارة العدل إلى أن نمو الأسعار ضمن القطاع السكني بقيت ثابتة بصفة عامة (+0.2% على أساس سنوي) في الربع الثالث من عام 2023، بينما واصلت أسعار القطاع الاستثماري تراجعها هامشيا (-3.1% على أساس سنوي).
تضخم معتدل ومستقر
ولفت الوطني إلى أن تضخم أسعار المستهلكين استمر ثابتا خلال الأشهر الأخيرة، إذ بلغ 3.7% على أساس سنوي في سبتمبر، مرتفعا عن المعدلات المسجلة في بداية العام بنسبة 3.3%، كما ارتفع معدل التضخم الأساسي (الذي يستثني المواد الغذائية والسكن) ليصل إلى 3.4% خلال الفترة نفسها وإن كان بمعدل أقل من التضخم العام.
وفي الوقت الذي بقي فيه معدل التضخم على أساس سنوي مستقرا بالقرب من هذا المستوى منذ شهر مارس الماضي، تراجع نمو الأسعار على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من عام 2023 إلى 0.5% على أساس ربع سنوي مقابل 0.9% في الربع الثاني و1.1% في الربع الأول.
وارتفعت أسعار فئة خدمات الإسكان (الإيجارات)، وهو العنصر ذو الوزن الترجيحي الأكثر ثقلا، بنسبة 3.1% على أساس سنوي في سبتمبر، في حين تراجع نمو أسعار فئة المواد الغذائية والمشروبات إلى أدنى المستويات المسجلة منذ 3 أعوام (+5.7% على أساس سنوي)، بما يتسق مع تراجع معدل تضخم أسعار المواد الغذائية العالمية.
وقال الوطني: «قد يؤدي ظهور عدة عوامل منها اعتدال التضخم من مستوياته المرتفعة في العام الماضي، وتباطؤ نمو الائتمان، وعودة نمو الإنفاق الاستهلاكي إلى مستوياته الطبيعة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ المعدل الأساسي ليصل إلى نحو 3% بنهاية العام الحالي».
التعداد السكاني
أشار «الوطني» إلى أنه وفقا لأحدث البيانات الديموغرافية الصادرة عن الهيئة العامة للمعلومات المدنية، وصل إجمالي عدد سكان الكويت إلى 4.82 ملايين نسمة في النصف الأول من عام 2023 (+8% على أساس سنوي)، متجاوزا مستوى ما قبل الجائحة لأول مرة، في ظل تزايد عدد المواطنين الكويتيين بوتيرة متباطئة (+1.9% إلى 1.53 مليون) والزيادة الملحوظة لعدد الوافدين (+11% على أساس سنوي إلى 3.3 ملايين).
وفي الوقت ذاته، ارتفع معدل توظيف المواطنين الكويتيين بنسبة 2.9% على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2023 إلى 462 ألفا، من خلال إضافة القطاع العام لنحو 8.2 آلاف وظيفة (صافي) وخسارة القطاع الخاص 1.3 ألف وظيفة (صافي) إلى 73 ألف وظيفة. وارتفع عدد الوافدين (باستثناء العمالة المنزلية) بنسبة كبيرة بلغت 13% على أساس سنوي في النصف الأول من العام، بما يتسق مع التحسن الذي شهده الاقتصاد بعد الجائحة.
وقال «الوطني»: «ساعد ذلك في حل جزء من مشكلة نقص العمالة التي شهدناه في أعقاب الجائحة، إلا أن عدد العمالة المنزلية ارتفع بوتيرة أسرع بلغت نسبتها 16% على أساس سنوي».
الائتمان المحلي
وذكر «الوطني» أن الائتمان المحلي سجل نموا هامشيا منذ بداية العام الحالي وحتى شهر سبتمبر بنسبة 0.8%، في حين استمر التباطؤ في نمو الائتمان المحلي على أساس سنوي إلى 1.7% في سبتمبر من مستوى الذروة المسجل في مايو 2022 بنسبة 11.2%، فيما يعد من أدنى المستويات المسجلة منذ عدة أعوام.
وارتفع نمو ائتمان قطاع الأعمال بنسبة 0.6% فقط منذ بداية العام (+0.4% على أساس سنوي) والائتمان الشخصي بنسبة 1% حتى سبتمبر (+2.5% على أساس سنوي)، والذي شهد نموا هزيلا في سبتمبر بعد تسجيله لمعدلات نمو مقبولة خلال الشهرين الماضيين.
وتضمنت العوامل التي أدت إلى الأداء الضعيف حتى الآن لهذا العام ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض المنافسة على التسعير بين البنوك، وعودة النمو إلى مستوياته الطبيعية بعد عام 2022 الذي شهد أداء قويا للغاية، ومن غير المرجح أن يتحسن نمو الإقراض خلال الفترة المتبقية من عام 2023، إذ يميل النصف الثاني تاريخيا إلى أن يكون أضعف من النصف الأول.
إضافة لذلك، ضعفت وتيرة نمو ودائع المقيمين، إذ انخفضت للشهر الرابع على التوالي في سبتمبر، مما أدى إلى انخفاض معدل النمو منذ بداية العام حتى سبتمبر إلى 0.9% فقط (+1% على أساس سنوي)، ويعزى هذا الانخفاض لتراجع ودائع القطاع الخاص على أساس شهري للشهر الرابع على التوالي (+1.4% منذ بداية العام، +4.2% على أساس سنوي) في حين تراجع نمو الودائع الحكومية لأول مرة منذ فبراير الماضي على أساس شهري (+25% منذ بداية العام، +10% على أساس سنوي).
أما ودائع المؤسسات العامة فقد ارتفعت على أساس شهري (-14% منذ بداية العام، -20% على أساس سنوي)، وضمن ودائع القطاع الخاص بالدينار الكويتي، يستمر التدفق الخارجي للودائع تحت الطلب وودائع الادخار، مع تزايد معدل الانخفاض منذ بداية العام حتى سبتمبر إلى 9.7%، في حين ما تزال الودائع لأجل تتخذ اتجاها تصاعديا، إذ ارتفعت بنسبة 12.2% منذ بداية العام الحالي حتى سبتمبر الماضي.
وكان بنك الكويت المركزي قد قام برفع سعر الخصم بنسبة تراكمية بلغت 2.75% منذ مارس 2022، أي ما يقرب نحو نصف سعر الفائدة التراكمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي البالغ 5.25% خلال الفترة نفسها.
أداء الأسهم
شهدت سوق الأسهم الكويتية المزيد من الخسائر في الربع الثالث من 2023 في ظل ضعف ثقة المستثمرين بسبب المخاوف الاقتصادية العالمية وعلى وجه التحديد التأثير السلبي لتشديد السياسات النقدية لفترة أطول، وانعكاس ذلك على النمو الاقتصادي.
وأدت الاضطرابات التي شهدتها غزة في أكتوبر إلى تفاقم مخاوف المستثمرين، وفي ظل ارتفاع عائدات السندات إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ أكثر من عقد من الزمن وارتفاع أسعار الفائدة، تقلصت علاوة الربح إلى المخاطر بالنسبة للأسهم.
وانخفض مؤشر السوق العام بنسبة 2% على أساس ربع سنوي، متأثرا بانخفاضه بنسبة 1.7% على أساس شهري في سبتمبر وانخفاض إضافي بنسبة 2.2% كما في 20 أكتوبر.
وكان هذا الأداء الضعيف متسقا مع الاتجاه السلبي الذي منيت به أسواق الأسهم الإقليمية والعالمية، إذ تراجع كل من مؤشر مورغان ستانلي الخليجي ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 3.2% و3.6% على أساس ربع سنوي، على التوالي، وكانت أنشطة التداول ضعيفة، إذ انخفض متوسط حجم التداولات اليومية إلى 40.5 مليون دينار في الربع الثالث من العام الحالي (-22% على أساس سنوي)، فيما يعد أدنى المستويات المسجلة منذ 3 أعوام، مما يعكس انخفاض إقبال المستثمرين بصورة كبيرة.
موقف المستثمرين الأجانب
ذكر «الوطني» أن البيانات الرسمية تشير إلى أن المستثمرين الأجانب اتخذوا موقفا صافيا بيعي في الربعين الماضيين، إذ بلغ صافي التدفقات الخارجة 31 مليون دينار مقارنة مع صافي التدفقات الواردة المستمرة بقوة منذ منتصف عام 2020، وبالنسبة للنظرة المستقبلية، قد تبقى ثقة السوق هشة إلى أن تتحسن توقعات النمو والتضخم وتتضاءل المخاطر الجيوسياسية.
نهاية التشديد النقدي
قال «الوطني» في تقريره: «يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي بدأ يقترب من إنهاء دورة التشديد النقدي، إذ تشير توقعاته وفقا لخارطة نقاط التصويت على أسعار الفائدة إلى رفعها مرة أخيرة قبل نهاية العام الحالي، بينما يشير سوق العقود الآجلة إلى عدم تطبيق المزيد من الارتفاعات».
انتظار وترقب
ذكر «الوطني» أن بيانات الربع الثالث بصفة عامة تشير لاستقرار أوضاع السوق العقاري بعد الانخفاضات التي شهدتها الأرباع السابقة، وينطبق ذلك بصفة خاصة نظرا للضعف الموسمي المعتاد للمبيعات خلال فترة الصيف، وتعرضت المبيعات في السابق إلى ضغوط بسبب ارتفاع التقييمات العقارية مما يؤثر على طلب القطاع السكني، وارتفاع تكاليف الاقتراض، واتباع المستثمرين نهج «الانتظار والترقب» تجاه الظروف الاقتصادية على المدى القريب.
دعم الاستهلاك
ذكر «الوطني» أن توقعات الاستهلاك لعام 2024 من المقرر أن تتلقى دعما على خلفية توقعات استقرار أسعار الفائدة أو حتى انخفاضها قليلا العام المقبل إضافة لتوسع الإنفاق الحكومي، وذلك بالرغم من إمكانية تسجيل المزيد من الاعتدال في المستقبل.