- الناشي: الاتحاد فرض شرعي وواجب حتمي لا يجوز التفريط فيه
- المطيرات: في كل بلد طوائف وفرق وجماعات متناحرة كل يرى أنه على الحق
- النجدي: أمر الله تعالى بالاجتماع والاعتصام وحذّر من الافتراق والابتداع
- القصار: الاستبصار برأي أهل العلم والفقه والبصيرة لنصل إلى توحيد الأمة
يدعو الاسلام الى توحيد الصفوف وجمع الكلمة، لأنه دين الوحدة، دين لا يدعو الى توحيد الخالق عز وجل فحسب، بل انه يقوم على الأخوة في كل الأمور، في العقيدة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، فهل يمكن للمسلمين ان يجتمعوا تحت مظلة واحدة رغم حالة التفكك التي يعيشونها؟ وهل من الممكن ان يتقاربوا اقتصاديا وثقافيا وان ينبذوا ما بينهم من خلافات؟
في البداية، يقول الكاتب الاسلامي م.سالم الناشي: ان وحدة المسلمين فرض شرعي، وواجب حتمي، لا يجوز التفريط فيه، فالاجتماع على الحق قوة ومنعة ضد الاعداء، قال صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، فالشعور بالاخوة الاسلامية عززته الآيات الكثيرة في القرآن العظيم (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يعكر صفو المجتمع المسلم، فقال «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله اخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».
وأضاف م.الناشي: ولقد أكرمنا الله بالإسلام، وألف بين قلوبنا، ودعانا لأن نعتصم به سبحانه، متماسكين متوحدين (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا).
وأشار الى أن أمتنا أخفقت عندما أصابها الوهن، فأقبلت على الدنيا ورهبت الموت، وعندما اختل عندها مفهوم الدين الصحيح بمعناه الشامل فابتعدت عن الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وانتشرت فيها فرق ومعتقدات يغلب عليها الجهل والخرافة والتقاعس عن الابداع والتطوير، قال النبي صلى الله عليه وسلم «يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ»، فسيطرة الوهن على الأمة له سببان: حب الدنيا وما فيها من شهوات وكراهية الموت المترتب عليه عدم اعداد القيادة الصالحة وعدم بناء القوة والخذلان في اعلاء كلمة الله، ولا يرفع هذا الوهن إلا بالعودة الى الله تعالى (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).
شيع وأحزاب
من جهته، يقول د.عادل المطيرات: بعد انقراض عصر الصحابة والتابعين وأتباعهم، وانقضاء القرون الثلاثة المفضلة افترقت الأمة إلى شيع وأحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون، انتشرت البدع والضلالات في الأمة وابتعد كثير من الناس عن مشكاة النبوة وهدي الصحابة الكرام، فحصل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من افتراق الأمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقةً، وافترقتِ النصارَى على اثنتَينِ وسبعينَ فرقةً، وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً، قيل: من هي يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الجماعة» وفي رواية «ما أنا عليه وأصحابي». وزاد: نعم إن افتراق هذه الأمة أكثر من افتراق اليهود والنصارى، ولن تجتمع إلا بالرجوع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولذا احتار كثير من المسلمين في هذا الزمان وتساءل لماذا هذا الافتراق والاختلاف؟ لماذا يقاتل المسلمون بعضهم بعضا؟ لماذا يكفر المسلمون بعضهم بعضا؟ لماذا افترق المسلمون إلى فرق وجماعات وكل يدعي أنه على الحق وغيره على الباطل وديننا واحد وإلهنا واحد ورسولنا واحد؟
والجواب أجاب عنه الإمام مالك بقوله: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ما لم يكن يومئذ دينا فلا يمكن ان يكون اليوم دينا، لقد افترق المسلمون في هذا العصر إلى فرق وجماعات كل جماعة لها مؤسس يأتمرون بأمره ولا يخرجون عن طاعته ويحاربون من يخالفهم فكأنهم انشأوا دينا جديدا ونبيا جديدا، وهذا والله هو الضلال بعينه (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) ففي كل بلد طوائف وفرق وجماعات متناحرة كل يرى أنه على الحق وغيره على الباطل فضعفت الأمة الإسلامية وأصبحت آخر الأمم وكلما ذهبت إلى بلدان الإسلام تجد الإسلام ضعيفا ولا حول له ولا قوة.
وأكد أن الحل لترجع الأمة إلى سابق عهدها يكون بتوحيد الله ومحاربة الشرك، وتطبيق شرع الله في الأرض والرجوع الى دين الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدون مبين).
الاعتصام بالله
يؤكد الشيخ د.محمد الحمود النجدي أن اعتصام أهل السنة والجماعة بالكتاب والسنة والمحافظة على الجماعة والائتلاف من أهم اركان منهجهم المبارك قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وبين د.النجدي ضوابط اجتماع أهل السنة حين يجتمعون ويدعون إلى الاجتماع يضبطون ذلك بضابطين هما: كلمة الحق وهو ما جاءت به نصوص القرآن والسنة بفهم سلف الأمة. وقال النجدي: بدون الاجتماع على كلمة الحق والتقيد به لا يكون اجتماعا اصلا وذلك ان الباطل وأهله في اختلاف عظيم فإذا هو جمع الدين كله علما وعملا فإن النتيجة هي الاتفاق والوحدة والقوة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله: إن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما أمر به باطنا وظاهرا ونتيجة الجماعة فإنهم اذا اجتمعوا كانوا مطيعين لله بذلك مرحومين فلا تكون طاعة الله بفعل لم يأمر به من اعتقاد او قول او عمل، فلو كان القول او العمل الذي اجتمعوا عليه لم يأمر الله به لم يكن ذلك طاعة لله ولا سببا لرحمته.
وعن الأمر الثاني قال د.النجدي: هو مراعاة ضوابط الاختلاف وقد أمر الله تعالى بالاجتماع والاعتصام وحذر ونهى عن الافتراق والابتداع (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
فإذا وقع خلاف بين أهل السنة فإنه يقع منضبطا بضوابطه الشرعية التي من أهمها الاحتكام إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ثم الحرص على الوحدة والائتلاف وصلاح ذات البين وجمع الكلمة. قال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
واقع الأمة
وعن أهم العوائق التي تقف أمام تحقيق وحدة المسلمين يقول د.عبدالعزيز القصار: في ظل فرقة المسلمين وشتاتهم واختلافهم يستحيل تحقيق هذه الوحدة، ومعلوم أن المتخلفين هم في شقاق وبلاء وقتال، والأمة مشغولة بنفسها التي يتنازع ابناؤها ويتفرقون شيعا وأحزابا فيكفر بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا ويشتم بعضهم بعضا ويفسق بعضهم بعضا، يستحيل أن تقوم لهم قائمة، أو يرتفع لهم علم أو ينصب لهم لواء، ولما كان أمر الوحدة الإسلامية والأخوة الدينية فريضة شرعية وسبيلا لا غنى عنه لتحقيق شرع الله في الأرض ومراده في عباده، أصبح لازما علينا أن نسعى في سبيل تحصيل هذه الوحدة وتثبيت اركانها وإقامة بنائها، فالواقع الحالي للأمة الإسلامية مغير تماما لهذا المطلب الشرعي فقد تفرقت بالمسلمين السبل منذ وقت طويل، ولفت الى ان اهل السبيل الآن للوحدة هو الاستبصار برأي أهل العلم والفقه والبصيرة اذ من خلاله نصل الى وحدة الأمة وتوحيد كلمتها وصراطها وذلك ان الله سبحانه وتعالى قد خلق الناس متفاوتين في الفهم والبصيرة، وليس كل من حمل علما كان فقيها مستبصرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».