الكون مخلوق وفق «قواعد التوازن» وحين يختل وجه من وجوه التوازن في هذا الكون فإنه سوف يتأرجح بلا شك وريب، وينتهي به المطاف إلى أمر غير محمود، لذلك جعل الله سبحانه «التوازن» حافظا لكينونة الكون ومن يعيش عليه، وهو سمة أساسية لديمومة الحياة.
خلق الله تلك الجبال الرواسي التي تنتشر فوق الأرض، وخلق الكواكب تجوب السماء، من أجل ترسيخ توازن يحفظ الوجود، وخلق السموات وبمقابلها الأراضين، وخلق اليابسة والبحار، وخلق المشارق والمغارب، والليل والنهار، وخلق القوي والضعيف، وكل هذه الأضداد خلقها، وهدفها ليكون التوازن راسخا في الحياة وتستمر عجلتها.
ولو تفكرنا في عالم التوازن في نطاق واسع سنرى:
- أن الجبل هو جسم عال فوق الأرض، والحفرة هي فراغ خال في الأرض!، ولكي نحقق روح التوازن: فمن الخطأ أن ندك جبلا هنا، دون سد حفرة هناك!. أليس كذلك!؟
- وسوف نرى أيضا: ان النملة الصغيرة لو كان لها سرعة النمر أو الفهد، أو أن الفهد أو النمر له سرعة النملة فإن شكل الحياة سيكون مختلا!، وتتفاقم الأضرار والمشكلات وتتسبب بشل دورة الحياة!، فالله قدر الأمور بقدرته، وحدد نطاق المخلوقات ومجالها بحكمته، لذلك كل مخلوق له دور خاص في هذه الحياة وهو يسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في توازن أركانها، وحين تختلط الأدوار يختل التوازن في جنبات هذا الكون، فنحن نعيش في منظومة متكاملة، ومن يقصر، أو يتجاوز نطاقه، يجعلنا «نختل»، وحينها يكون التوازن أملا نتمناه، ولكن لا نناله أو نبلغه!.
- ومــن صور العجائب لدى الإنسان، أنه يسهم بشكل غــــريب بتخريب الكون، فالله قد خلق الطيور لتحـــقيق التوازن في الحياة، ولكن الإنسان استسقى من شــــكل الطيور الطائرات، واستغلها بتدمير توازن الحــــياة!، وخـلـــق الله الدواب السيارة فوق الأرض، لنفع البشرية.. ولكن الإنسان استسقى من الدواب فكرة السيارات، وجعل منها آلات سائرة لتمزيق البشرية!.
فما أعتى الإنسان، (قاتل التوازن الكوني)!.
- ومـــن ينظر في أحداث الحياة سيرى أن ذاك التدافع الذي نراه بين أطراف القوى، هو تدافع محمود، ومن سنن الحياة، ولولا وجوده لأكل الناس بعضهم بعضا، فهو تدافع يصنع شيئا من التوازن، ولك أن تتصور مشهدا به اختلال للتوازن!، إنه مشهد سيئ بالطبع، والغلبة به سوف تكون لطرف واحد موصوم بالاستبداد!.
- ومن صور ضياع التوازن أننا نرى: من تكلموا حين لزم الصمت!، من صمتوا حين لزم الكلام!، وكلاهما قد ضل الطريق! وكلاهما فقد التوازن المنشود!.
- ويجب أن ندرك: أنه حين يتراجع منسوب «الحكمة» فإن الخطأ يكثر، ويتزايد الشتات، وتتعذر رؤية التقدم، وحين تكون الحكمة سيدة كل موقف فهذا يعني أن التوازن قد توافر، وأن البيئة أصبحت صالة لتعالي صوت «الصواب»، وحينها ينهض المجتمع وتعلو عزائمه، فالحكمة تقود للتوازن.. وبدون الحكمة يختل التوازن.
-إذن: الحكمة هي صانع التوازن، وهي سر النجاح وغيابها سر الفشل.. (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)، لذلك لنجعل الحكمة رائدنا وقائدنا نحو تحقيق حياة طيبة صالحة، فميزان الحياة لا يمضي إلا بالحكمة.
مسك الختام، قول رب الأنام: قال تعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون)، وقال سبحانه: (إنا كل شيء خلقناه بقدر).
HaniAlnbhan@