لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتخيل إنسان يسكن خارج قطاع غزة حجم المعاناة الإنسانية هناك، فمهما كانت التصريحات والفيديوات والتقارير، فلن تجعلنا نشاهد الصورة كاملة، فالصورة الكاملة أسوأ بكثير من مجرد متابعة تقارير إخبارية، أو صور وفيديوات حية، ومع ذلك فهذه الزاوية الضيقة التي نرى منها جزءا من الواقع هناك مفجعة، وتعبر عن غياب تام للضمير الإنساني العالمي، والمجتمع الدولي.
كطبيب تألمت كثيرا عندما أعلنت وزارة الصحة في غزة عن انهيار المنظومة الصحية، فهل تعرف عزيزي القارئ ماذا يعني انهيار المنظومة الصحية لبلد ما في حالة حرب؟ انهيار المنظومة الصحية لبلد يــواجه قصفا بلا هوادة وبلا رحمة، يستهدف المدنيين يجعل الأطباء في المستشفيات هناك لا يستطيعون أبدا أن يعالجوا جميع الجرحى بل تجعلهم يختارون من لديه أمل أكبر في الحياة ليعالج، وترك الجرحى الذين لديهم أمل بسيط يواجهون مصيرهم.
كذلك فإن انهيار المنظومة الصحية يجعلها غير قادرة على اكتشاف أي مرض وبائي من الممكن أن ينتشر بسبب التكدس فيها، وهو أمر في غاية الخطورة يعرض حياة الآلاف للخطر.
إن انهيار المنظومة الصحية يعني أيضا أن هذا المحتل الغاشم قد قتل في قصفه عشرات الأطباء، مما سبب عجزا كبيرا في الكوادر الطبية العاملة هناك.
بصراحة مأساة انهيار المنظومة الصحية ذات أبعاد خطيرة جدا، يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والطبية والحقوقية عدم تجاهلها، والتعامل معها بسرعة، قبل أن تسبب كوارث صحية تودي بحياة الآلاف، وعندها فليواجه العالم ضميره الذي يبدو أنه مات بالفعل على مشارف غزة.
حماية المدنيين واجب المجتمع الدولي ومنظماته بحسب الاتفاقيات الدولية، وهي شيء لا يجب تجاهله بأي حال من الأحوال، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمتطلبات الإنسان الأساسية من دواء وطعام وشراب.