الرونق الساحر الذي شاهدناه وهو يغلف الفعاليات الحالية لجائزة الكويت للقرآن الكريم الثانية عشرة، واللمسات التقنية والإبداعات اللامتناهية في التنظيم والاستعداد، وانتقاء لجان التحكيم، والحفاوة البالغة والرفادة المنقطعة النظير لحفظة القرآن وشخصياته، وتكريمهم بصورة أكثر ألقا، رسمت على شاشتنا الوطنية لوحة فنية مبهجة ومشهدا عالميا مهيبا يخطف الألباب ويحبس الأنفاس، وأظهرت بلادنا كدولة راعية لكتاب الله محبة لأهله، رافعة لرايته، معتزة بتراثه ومعجزاته.
نعم، رأينا ونرى كل عام كيف يجتهد القائمون على هذا الحدث في إحكام تنظيمه بدقة منقطعة النظير، وزخما إعلاميا مستحقا، وترصيع الحدث بالورش العلمية والمحاضرات الدينية، واختتامه بتكريم الفائزين والرجالات البارزة في هذا الميدان، فيغدو هؤلاء كرموز وقدوات صالحة، ما يجعل من بلادنا المحبة لكتاب الله أيقونة للمفخرة والاعتزاز، وكيف لا وهي تتشرف برعاية هذا الكتاب العظيم واستثمار الشباب وإنتاج الموهوبين فيه، متوجة ذلك بإنشاء هيئة عامة للعناية به وبعلومه وطباعة مصاحفه.
منذ ما يقارب الثلاثين عاما ونحن نعيش هذا الزحف الناعم لنور القرآن وهو يشع من دولتنا الكريمة ويضيئ أرجاء المعمورة، بدعوم سخية وسامية تنهل من رأس الهرم مرورا بالوزارات والمؤسسات والجمعيات الخيرية وصولا إلى الشخصيات العامة والأفراد، فمدت أذرع الخير في بقاع الدنيا، وشيدت مئات مراكز التحفيظ ـ بأموال كويتية ـ في شتى أقطار العالم، مستحثة الهمم ومستنفرة العزائم: ألا هلموا يا أبناء الأمة وألبسوا أهاليكم تاج الوقار، فأي عز لكم بعد عز القرآن والمنافسة في مسابقاته والظفر بجائزاته؟ وأي مجد بعد مجد حفظه وإتقانه وتعلم علومه وفنونه والعمل بما فيه والتعمق في لمساته وبلاغاته، والغوص في أغواره وإعجازاته؟
ماذا فعلت أيتها الكويت بعشرات الآلاف يتبارون ويتنافسون ويتزاحمون على المشاركة في مسابقات وزارة الأوقاف وأمانتها العامة وجمعياتنا الخيرية لنيل الشرف القرآني العظيم؟
إن ما نحياه من نعم عظيمة يستوجب الحمد والشكر، ونحن نرى في جميع مناطقنا ومساجدنا مناخات عجيبة لإنتاج حفظة وقراء يشار إليهم بالبنان، وشخصيات قرآنية شغوفة بكتاب الله وتراثه الخالد، وحناجر وطنية تتغنى وتصدح بآيات الله في كبرى المساجد والمحافل، يجولون شرق العالم وغربه يشنفون أسماع الملايين بآيات الذكر الحكيم. إن هذا ما فعلته العناية الحانية بهم منذ نعومة أظفارهم، فاحتضنتهم الحلقات والمراكز، واستهوتهم روح المنافسة للانضمام إلى المسابقات التحفيزية والمكرمات التشجيعية، وما أجمل البهجة وما أحلى البسمة التي تزين وجه طفل أتم حزبا أو جزءا من القرآن وهو يمسك بشيك بنكي تشجيعا له وتحفيزا، وما أعذب الدموع التي تهطل من عيون أتمت ختم القرآن عن ظهر قلب.
والله يا أهل الكويت إنها نعمة عظيمة أن نرى هذه الروضات القرآنية التي تتلقف أبناءنا وبناتنا وتحرس رونق إيمانهم وسلامة فطرتهم، أشعلت فيهم حب القرآن، وكرست في نفوسهم أن حفظه ودرسه والتخلق بما فيه هو الفخر كله والاعتزاز عينه، وهو الشرف الأعلى والمقصد الأسمى في الحياة وفي المآل، لا يعلوه هدف ولا يتفوق عليه مطلب، وبه يحمي الله أولادنا من براثن المخدرات وعالم التفاهات والسطحيات الذي لايزال فاغرا فاه، وملتهما المزيد من الشباب والمراهقين.
في الختام:
أيها القراء الكرام: القرآن هو دستورنا وهويتنا، وحق لنا أن نتباهى به وأن يكون طابعنا بين الأمم وفي وسط الحضارات وفي خضم الأمواج المتقلبة من الفتن والانحرافات والشبهات، ارفع رأسك أيها المواطن بدولتك التي اختارت العناية بالقرآن سؤددا وبالعمل الخيري شعارا وديدنا، وأودع أولادك في حلقات التحفيظ ومراكزه المنتشرة في كل مكان، فإن الدولة قد كفتك أعباء ذلك ومصاريفه، وهيأت لنا أفضل البيئات المشجعة والمحفزة على الحفظ والتسميع والإجازات والأسانيد، فأي عذر لنا ونحن مقصرون في حق أبنائنا وبناتنا؟