تناولنا في مقالنا السابق بعض الملامح حول التعاطي الإيجابي مع أهداف الاستدامة في ضوء ثقافتنا، واليوم نستكمل الحديث حول هذه النقطة وبعض مقترحاتنا وتحفظاتنا حول بعض هذه الأهداف.
ونبدأ حديثنا بالتذكر بأن تراثنا مليء وزاخر بكيفية التعامل الإيجابي مع دوائر التنمية المستدامة الثلاث (الاقتصاد - البيئة - الناس/المجتمع) منطلقا من الحرص على دائرة امتداد وديمومة واستدامة الأثر الاقتصادي الإيجابي على الناس، وحفظ البيئة النقية المساعدة على التعمير، وتنمية المجتمعات في ظل حفظ المقدرات المعمول على استدامتها، في ظل كوننا جميعا مستخلفين في الأرض ومستعمرين لها ومسؤولين عنها ومحاسبين على تصرفاتنا تجاهها وتجاه أنفسنا وتجاه الناس.
وانطلاقا من هذا «التعامل والتعاطي الإيجابي» مع هذه الأهداف فإننا نعلن ونفخر بتمسكنا وتفعيلنا لقيمنا وحضارتنا وعاداتنا الأصيلة واستمدادنا منها، بحيث ينبغي أن يكون منطلقنا في التعامل مع هذه الأهداف هو الحرص على أن تكون منطقية، وأن تكون قابلة للتحقق في نظرنا، حتى لا نشعر بالعجز تجاهها أو انها خيالية أو تصادم الواقع والممكن، وبحيث لا ننسلخ من قيمنا وحضارتنا وعاداتنا وأعرافنا، أو ننساق إلى تقليد الآخرين، أو نقبل ما يمكن أن يقبلوه هم وفق عاداتهم وظروفهم. ولا يعني تحفظنا على بعض الأهداف أو صياغتها الرفض لمحتواها أو مضمونها الإيجابي أو عدم التجاوب معه.
ويمكن أن نسوق عدة أمثلة على تحفظنا على صياغة بعض الأهداف وسياقاتها، فمن ذلك مثلا:
الهدف الأول وهو «القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان»، فنحن نقترح أن يكون التعامل مع الهدف وفق صياغة «محاربة الفقر» بجميع أشكاله في كل مكان، إذ تنطلق مفاهيمنا من منطلق تفعيل الطاقة والوسع والإمكانية، والتجاوب مع القوانين الكونية لا مصادمتها. ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يدعي أحد أن بمقدوره «القضاء» على الفقر، إذ ساعتها سنسأله: ما معيار هذا «القضاء على الفقر»؟! وعلى أي أساس يقاس هذا «القضاء»؟! إذ المرء ربما كان غنيا بالنظر لأحدهم فقيرا بالنظر لآخرين. ثم إن المنهجية الصحيحة في نظرنا لـ «محاربة الفقر» تنطلق من بابين: باب التصور، وباب التطبيق، فمن باب التصورات يجب التنفير من الفقر والاستسلام له، ومن باب التطبيق يجب أن يحث على العمل ويسهل طرقه ويفتح مجاله، وعلى الرغم من هذه المنهجية فإن أحدا عاقلا لم يدع أبدا تمام القدرة على «القضاء» على الفقر، بل السعي المنطقي ينطلق من مبدأ «محاربة» الفقر وسد أبوابه وما يؤدي إليه.
ومثال آخر الهدف الثاني «القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة»، ونحن نرى أن التعاطي معه يكون من خلال «محاربة» الجوع و«تحسين» الأمن الغذائي والتغذية المحسنة، وما قلناه في مقترح الهدف الأول يمكن أن يقال ويعاد في هذا الهدف أيضا.. إذ إنه هو المتماشي مع منطق الأشياء، وما يمكن تحقيقه بالفعل.. ونستكمل بعض التحفظات الأخرى لاحقا.