«سبيروسباتس.. خان الشعب»، عبارة غريبة عجيبة استدعتها ذاكرتي ـ المتداعية أصلاً ـ لتستخرجها من محفوظات العقل البشري العجيب منذ أكثر من 50 عاماً، أطفال نلهو في شوارع حي التوفيقية وبولاق ونهتف كما لو كنا في مظاهرة بهذا الهتاف الغريب الذي لم أحاول حتى أن أفهم معناه.. ولماذا «المقدس سبيروسباتس» خان الشعب، و«مصر كلها تشرب كازوزة الدبانة» (الشعار في الأصل نحلة) بلونيها الأخضر والعسلي الغامق؟!
حتى جاء قريب لي ـ رحمه الله ـ وهمس في أذني متوعداً «أوعى أسمعك بتهتف كده تاني».. وبعد ذلك فهمت أن سبيرو المسكين لا ناقة له في الخيانة ولا جمل، وان كل ما في الأمر أن مظاهرة طلابية حاشدة خرجت من جامعة القاهرة ذات ظهيرة عام 1968 بعد «نكسة»
5 يونيو، وهتف المتظاهرون باسم من اعتقدوا انه خان الشعب، وعندما بدأ الأمن يكشر عن أنيابه تفتق ذهن قائد المظاهرة عن حيلة ذكية.. ورفع إزازة سباتس في يده وهتف الهتاف الذي أصبح أغنية للأطفال أيامها، إذ استبدل اسم الزعيم ووضع بدلاً عنه «سبيروسباتس»، وفهم المتظاهرون الأمر وهتفوا وراءه «سبيروسباتس خان الشعب»، ثم زادوا سخريتهم بهتاف آخر يرمز للرغبة في إحراق الخونة وهو «كبريت الهلب أحسن كبريت»! وبدأوا في إحراق الكتب والأوراق.. وطبعاً لم يتعرض الأمن لمظاهرة حاشدة لطلاب يهتفون بسقوط «الخواجة» سبيرو لأنه خان الشعب!
تداعت القصة لذاكرتي مع «بعث وإحياء» مشروبات «سباتس» و«سيدر» كما كنا نسميها أو الزجاجة «أم دبانة» عقب عودتها للظهور في حياتنا مع تصاعد الدعوة لمقاطعة منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، ومنها بالطبع الشركات العملاقة العابرة للقارات التي تحتل منتجاتها اكثر من 90% من المبيعات في أسواقنا.. تاركة «الفتات» لكل ما عداها من شركات وطنية أو عربية وحتى أوروبية، ومتسببة ـ بالإضافة إلى عدم وعينا ـ في وأد صناعات وطنية كان يمكن ان تنمو وتتحول عملاقاً وطنياً يسهم في الناتج الإجمالي بسده لحاجيات السوق المحلي وجلب العملات الصعبة من عوائد الصادرات أيضاً.
قصة الخواجة «سبيروسباتس» ومجيئه الى مصر من اليونان لينشئ أول مصنع للمياه الغازية عام 1920، أي منذ 103 أعوام، وكيف صعد بمنتجاته أيام الملكية، وحتى أوائل السبعينيات، قبل ان «تفرمه» مفرمة الانفتاح الاقتصادي، كما تم «فرم» غيره، تفتح الباب لأسئلة عديدة.. حول جدوى المقاطعة، وكيف يمكن تطوير الأمر لإحياء صناعات وطنية كادت تجهز عليها سياسات الانفتاح و«العولمة في غياب الوطنية».
وغداً للحديث بقية.. إن كان في العمر بقية.
.. وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
https://linktr.ee/hossamfathy