إن العمل البرلماني وامتداده ـ والذي يمثل الذاكرة التاريخية للأمة التي تؤرخ مسيرتها الديموقراطية العتيدة المنوطة بمجلس الأمة ـ يمر بمراحل عديدة قبل أن ينتج أثره المادي بصدوره على هيئة عمل نافع للمجتمع، وقد لا يعلم الكثير عن هذه المراحل التي يتم تداولها بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وداخل قاعة مجلس الأمة ولجانه واجتماعات مجلس الوزراء ودور مكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة خلال هذه المراحل، ومن ثم سنلقي الضوء عليها؛ ليصل القارئ إلى نتيجة عظيمة من العلم بها بعد القراءة لهذا المقال، فما هي الأعمال البرلمانية وكيفية التعامل معها منذ بدايتها إلى نهايتها ؟
فالأعمال البرلمانية هي ما يقوم به أعضاء مجلس الأمة داخل المجلس ولجانه، وما يقدمه الأعضاء من اقتراحات بقوانين واقتراحات برغبة وأسئلة واستجوابات، وما تقدمه الحكومة من مشروعات القوانين، وغيرها مما يتم تداوله بمجلس الأمة.
والسؤال البرلماني هو استفسار من عضو مجلس الأمة يوجهه لأحد الوزراء ليستفسر عن موضوع معين، وهو بذلك علاقة بين السائل والمسؤول فقط، وبمجرد أن يكتسب العضو هذه الصفة يحق له توجيه أسئلة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، فما هي الإجراءات التي يمر بها السؤال حيث يقدم السؤال مكتوبا من عضو واحد ولوزير واحد ويصاغ بصيغة محددة وغير مبهمة، كما أنه لا يجوز أن يتضمن ألفاظا خارجة أو توجيه عبارات غير لائقة، فيقدمه العضو إلى رئيس مجلس الأمة ويحال مباشرة إلى الوزراء المعنيين، ويمكن أن يكون السؤال مشتركا للوزراء جميعا ولكن كل وزير على حدة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ميعاد الإجابة عن السؤال حددتها المادة (121) من اللائحة الداخلية، حيث يمكن للوزير أن يطلب أسبوعين للإجابة، فيجاب إلى طلبه، والأصل أن يجيب الوزراء عن الأسئلة في الجلسة المحددة لنظر السؤال، ولكن جرى العمل على ان تتم الإجابة في الجلسة المحددة لنظرها بعد ورودها، وبمجرد ورودها تحال إلى أمانة المجلس لتدرج بالجaلسة، ويتم إخطار العضو بها، والجدير بالذكر أن حق التعقيب عن الإجابة يكون للعضو السائل دون غيره، ولا يجوز تغيير السؤال إلى استجواب في الجلسة نفسها، ولكن يجوز للعضو ان يقدم الاستجواب بعد ذلك، وهو أشد من السؤال بعض الشيء، والمدة المحددة لنظر الأسئلة هي نصف ساعة فقط إلا اذا رأى المجلس تمديدها، ومن ثم ينظر المجلس في طلب الأعضاء للتمديد.
الدور الذي يقوم به مكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة بصدد الأسئلة البرلمانية دور في منتهى القوة، حيث يتلقى المكتب الأسئلة الواردة مقترنا بجدول أعمال مجلس الأمة قبل الجلسة، ويتم حصر الأسئلة ومتابعة الإجابات الواردة، حيث يقوم كل وزير بإرسال نسخة من الإجابات إلى مكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة، ويقوم المكتب بدور الوسيط بين السلطة التنفيذية ممثلة بالوزراء وبين السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة، حيث يتابع الأسئلة والإجابة عنها، ويخطر الوزراء بإحصائية عددية بصفة دورية بعدد الأسئلة، وما تم الإجابة عنه، وما لم يتم الإجابة عنه، مما يجعل التعاون مستمرا بينهما، ومن ثم يؤثر ذلك إيجابا في العلاقة البرلمانية والحكومة. ويجوز للعضو أن يقدم استجوابا إلى رئيس مجلس الوزراء أو لأحد الوزراء، والاستجواب هو أشد الأعمال البرلمانية، حيث إنه سؤال مغلظ، ويمكن أن يؤدي إلى طرح الثقة للوزير المستجوب، ويحتاج طرح الثقة إلى توقيع عشرة أعضاء على الطلب.
وفي البداية، فإن الاستجواب يتضمن محاور أو محورا واحدا يريد العضو أن يطرحه على المجلس؛ لينظر فيما يراه بشأنه، ولا يتم ذلك إلا بعد ثمانية أيام من تقديمه، ويمكن أيضا للوزير المستجوب أن يطلب أسبوعين للرد على المحاور، فيجاب إلى طلبه، ويسقط الاستجواب إذا غاب العضو مقدم الاستجواب عن الجلسة المحددة لنظره، ويمكن لأعضاء المجلس التعقيب على طرح الثقة بين مؤيد ومعارض حتى انتهاء المعقبين فيتم تحديد جلسة للتصويت على الطلب إما بتأييده فيتم عزل الوزير أو برفض الطلب ومن ثم يستمر في منصبه.
وأهم الأعمال البرلمانية هي التشريعات القانونية وهي ما يتم تقديمه من الأعضاء لا يزيد عددهم على خمسة أعضاء، وتسمى اقتراحا بقانون، وما يتم تقديمه من الحكومة ويسمى مشروع قانون، والفرق بينهما أن الاقتراح بقانون يسقط بانتهاء الفصل التشريعي، بينما يستمر مشروع القانون مدرجا على جدول أعمال مجلس الأمة، وينظره المجلس الجديد في فصله التشريعي، وهناك فرق آخر أن الاقتراح بقانون لا يحال الى اللجان المختصة مباشرة وإنما يحال عادة الى لجنة الشئون التشريعية والقانونية التي تبحثه من الناحية القانونية أو تعيد صياغته بطريقة افضل ليعرض على المجلس الذي يحيله بدوره الى اللجنة المختصة من لجان المجلس، وقد يرى المجلس إحالة الاقتراح بقانون مباشرة الى اللجان المختصة اذا كان مرتبطا باقتراحات أخرى أو بمشروع قانون امام هذه اللجنة، بعد ذلك تقدم اللجنة تقريرا بشأن الاقتراح أو المشروع ليعرض على المجلس للمناقشة كمداولة أولى مادة مادة، ويتم تقديم التعديلات التي يراها الأعضاء وإحالتها الى اللجنة مرة أخرى او التصويت عليها اذا رأى المجلس ذلك، وقد يرى المجلس بعد الموافقة على القانون في مداولته الأولى ان يستعجل المداولة الثانية وفقا للمادة (104) من اللائحة الداخلية استثناء فيحال الى الحكومة لتقوم برفعه لصاحب السمو الأمير (حفظه الله ورعاه) للموافقة على إصداره قانونا وينشر في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) وفي حال اعتراض الحكومة على القانون يعاد إلى مجلس الأمة بمرسوم لإعادة النظر فيه ومناقشة الاعتراضات الحكومية عليه، وينظر المجلس في التقرير الذي تعده للجنة مرة أخرى، وفي هذه الحالة لا يتم نظره خلال نفس دور الانعقاد، ولكن في الدور التالي فإذا وافق عليه المجلس مرة أخرى فإنه يحال إلى الحكومة ليوافق عليه الأمير وينشر مباشرة.
ومن الأعمال البرلمانية المهمة التي تهم الكثير من الأفراد هي الاقتراحات برغبة، حيث إن لكل عضو الحق في أن يتقدم باقتراح برغبة، يتضمن رغبته في خدمة المجتمع سواء بإنشاء دوار أو رصف طريق أو مستوصف أو يهدف الى اهتمام الحكومة بأمر معين، وهذا الاقتراح برغبة يتم عرضه على المجلس لإحالته الى اللجنة المختصة بنظره وإعداد تقرير بشأنه للموافقة أو الرفض أو التعديل، ثم يعرض التقرير على المجلس للموافقة عليه، فيحال الى الحكومة، حيث يقرر مجلس الوزراء إحالة التقرير الى مكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة للتنسيق مع الجهة المختصة، فيقوم المكتب بمخاطبة الوزير المعني بالتقرير ورأي اللجنة حتى يبدي رأيه في الأخذ به أو بيان أسباب عدم الأخذ به، وعلى الوزير المعني أن يرد على كتاب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة الذي بدوره يتلقى الردود، فيعيد صياغتها بكتاب موجه الى مجلس الأمة، حيث يتم إدراج الردود بالجدول وإحالتها الى الأعضاء للعلم بها.
أما فيما يتعلق بالعرائض والشكاوى المقدمة من المواطنين الى مجلس الأمة، فيجوز لكل مواطن ان يتقدم بشكوى الى مكتب مجلس الأمة، حيث يشرح شكواه في مواجهة الجهة الحكومية بشرط ألا تكون هناك قضية منظورة أمام المحكمة بهذا الشأن، ومن ثم يتلقى المجلس الشكاوى ويحيلها بدوره إلى لجنة مختصة هي لجنة العرائض والشكاوى للنظر فيها، وهذه اللجنة تستدعي الوزير المعني أو من يمثله لنظر الشكاوى التي تخصه للرد عليها، ومن ثم تقدم اللجنة تقرير، ينتهي الى صدور توصية أو قرار بحفظ الشكوى إذا كانت ترى ذلك، ويتم إخطار الجهة عن طريق مكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة بهذا التقرير للرد عليه، وهذا يوضح الدور البارز للمكتب في سبيل توطيد أطر التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ومن الأعمال البرلمانية بند الأوراق والرسائل وهو عبارة عن مخاطبات بين الحكومة والمجلس مباشرة، حيث ترسل الحكومة ما تراه مناسبا من الكتب المتضمنة رغبة الحكومة في أمر معين، فقد ترى سحب مشروع بقانون أو رد قانون بمرسوم إعادة أو برقيات تهنئة من سمو الأمير (حفظه الله ورعاه) والحكومة للمجلس أو تعازي أو طلب إرجاء نظر موضوع أو استعجاله، وهذه الأوراق والرسائل يتم نظرها أمام المجلس لاتخاذ ما يراه مناسبا في شأنها، وهي محددة لها مدة نصف ساعة. ومن العرض السابق يبرز دور مكتب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة في الربط بين السلطتين وتوطيد أطر التعاون بينهما بما يعود على المجتمع بالاستقرار السياسي وبالفائدة وإنجاز الأعمال البرلمانية في سهولة ويسر، ولا شك أنه منذ نشأة هذه الوزارة عام (1998) حتى الآن تقوم بدورها المنوط بها في خدمة الكويت، وأصبحت مثلا يحتذى بين الدول التي تقوم على النظام البرلماني، ولعلنا بذلك نكون قد ألقينا الضوء على ما الأعمال البرلمانية والدور الذي يمر به كل عمل منها، ودور وزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة بما يفيد القارئ سواء من أفراد المجتمع أو من أصحاب الشأن في المجالين السياسي والقانوني.