رحم الله سمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح، فعلى الرغم من الحزن والأسى الذي يلف البلاد، إلا أن وحدة هذه المشاعر الوطنية الإنسانية اثر وفاته، طيب الله ثراه، بعثت برسالة كان سموه حريصا على تكريسها.
مثل هذا الخَطب عندما يطرأ في الكثير من الدول بوفاة قائدها الرسمي نرى استنفار أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية لتطويق المطارات والمنافذ ومباني الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات الحيوية حرصا منها للحيلولة دون استغلال هذا الحدث الأخطر من قبل المعارضة السياسية التي تثير الاضطرابات استهدافا للوصول إلى سدة الحكم! وهذا ما لم ولن يحصل في الكويت بإذن الله تعالى لأن الشعب تعاهد مع سلطة الحكم وتوحد في إطار الوثيقة الوطنية (الدستور)، على التمسك بمواده التي حسمت أمر الحكم بنفوس راضية غير مقهورة.
وقد راهن البعض على أن اختلاف الآراء السياسية التي تظهر على السطح بين مختلف الشرائح الكويتية، وما يجري من استخدام الأدوات الرقابية الدستورية في مجلس الأمة، توهم بعدم استقرار البلاد وأنها على حافة الانهيار لا سمح الله تعالى! لكنها الديموقراطية الكويتية التي تبرهن مرة تلو المرة على نضج شعبها ووحدتهم أمام الخطوب ولسان حالهم: إلا الوطن!، واختلافهم ما هو إلا تنافس واجتهادات تحرص على نقاء مؤسساتهم من الفساد والارتقاء نحو المزيد من الرفاهية.
وبصفتي وزيرا سابقا كان لي الشرف بلقاءات متعددة مع سموه، طيب الله ثراه، أستطيع القول انه بالفعل أمير التواضع، فقد كان سموه يحاول دائما أن يلغي التكلفة والرهبة تشجيعا منه على أن يجري الحديث صريحا وواضحا وبشفافية وبعقل منفتح، فتتحدث معه بكل أريحية.
إلا أنه حريص جدا على عدم تجاوز القانون، ففي إحدى المرات اقترح أحد الحضور ضمن وفد شعبي اقتراحا فيه مساس بالقانون، فسرعان ما انبرى سموه قاطعا بأننا دولة القانون ولا يمكن السماح بتجاوز القوانين. وإذا سئل عن الموقف أو الرأي يرد ذلك إلى صاحب السمو أمير البلاد وهو يكن بالغ الاحترام والتقدير لسمو أمير البلاد رحمه الله، فهو لا يسبقه بالرأي والموقف ولا يتقدم عليه بالكلام.
وقد أتيحت لسمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، رحمه الله، ظروف استثنائية صقلت شخصيته السياسية والقيادية:
1 ـ تدرج في مناصب متعددة، جمعت له الخبرة وصقلت شخصيته، شملت الجوانب السياسية والأمنية والاجتماعية والعلاقات الدولية، ابتداء من إدارة محافظة حولي التي تمثل الكويت المصغرة فهي تجمع بين الأسواق والمؤسسات التجارية وتعدد جنسيات سكانها واختلاف نمط عاداتهم، ثم تقلد لمنصب وزارة الداخلية ثم نائب رئيس الحرس الوطني ثم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة الدفاع ثم نائب رئيس مجلس الوزراء ثم ولي العهد.
2 ـ مصاحبته اللصيقة لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، الذي يعتبر من أقدم وزراء الخارجية في العالم وصانع الديبلوماسية الكويتية وصاحب الرؤية التي تستهدف جعل الكويت مركزا ماليا. هذه الظروف صنعت الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد رحمه الله.
لذلك ترجم هذه الخبرة العريقة في سنواته القصيرة إلى تحقيق هدف نبيل في عهده يتمثل في إنجاز فائض مالي في ميزانية الدولة، وتدشين عهد جديد، واستقرار الكويت خارجيا رغم كل التوترات المعلومة التي تحيط بالكويت، من دون أن تنفك عن امتدادها العربي والإسلامي.
لذلك استمرت الكويت في نهجها برفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي رغم الضغوط المعلومة، بل تعاطفت بشكل واضح وصريح وفعال مع الفلسطينيين المظلومين في المنتديات الدولية، لذلك لا عجب أن أقامت جسرا جويا يحمل مئات من الأطنان إلى المحاصرين في غزة عبر طائرات الشحن الجوي العسكري.
وسمو الشيخ نواف الأحمد الصباح، رحمه الله، كذلك هو أمير العفو، عندما بادر برسم بصمة نوعية في تاريخ الكويت عبر العفو الكريم عن مواطنيه الذين أخطأوا الطريق، وحقق لهم بإذن الله وتوفيقه ما لم يكن يحلمون به.
ويحق لنا أن نسميه أيضا الأمير العابد المتدين، وليس بالتدين المفرق بين مواطنيه، بل الذي يكرس التآلف بين النسيج الكويتي، يتساوى أمامه جميع المواطنين، يتفاعل مع مناسباتهم الدينية يصلي معهم في مسجد بلال بن رباح، في الوقت الذي ساهم في توسعة العتبة المقدسة لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف الأشرف، مثل حرص سموه، رحمه الله، على تقديم كل دعم ممكن لدور العبادة المختلفة جريا على عادة أسرة آل الصباح الكرام.
وعزاؤنا في خلفه صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح حفظه الله الذي ليس ببعيد عن مرافقة ومواكبة القيادة السياسية منذ نعومة أظفاره، فهو خير خلف لخير سلف بإذن الله تعالى.
[email protected]