أوقفت البنوك المركزية الكبرى دورة تشديد السياسة النقدية التي بدأتها قبل عام ونصف، مع استمرار تباطؤ ضغوط ارتفاع الأسعار.
وتصاعدت التوقعات بشأن تحول البنوك المركزية لخفض معدلات الفائدة بشكل سريع في 2024، ما أثار موجة من المكاسب القوية في الأسواق المالية.
لكن تكهنات الخفض السريع لمعدلات الفائدة عالميا تواجه مخاطر محتملة قد تتسبب في صدمة للأسواق في العام الجديد.
نهاية التشديد النقدي
ورفعت البنوك المركزية الكبرى معدلات الفائدة بإجمالي 4015 نقطة أساس منذ بداية دورة التشديد النقدي الحالية، في إطار المعركة للسيطرة على التضخم.
لكن الاجتماعات الأخيرة شهدت توقف البنوك المركزية الكبرى عن رفع الفائدة مع تباطؤ التضخم، حيث ثبت الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا تكاليف الاقتراض في الاجتماعات الثلاث الماضية، كما أبقى المركزي الأوروبي الفائدة دون تغيير في آخر اجتماعين.
وبدأ عام 2023 بمتوسط لمعدلات التضخم يتجاوز 3 أمثال مستهدف البنوك المركزية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وبريطانيا وكندا واليابان والبالغ 2%، لكنه تراجع مؤخرا إلى 1.5 مثل هذا المستهدف.
وفي الولايات المتحدة، تراجع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي -المؤشر المفضل للفيدرالي لقياس التضخم- إلى 3.2% في نوفمبر على أساس سنوي، مقابل ذروة عند 5.6% في العام الماضي.
كما انخفضت معدلات التضخم في منطقة اليورو والمملكة المتحدة إلى 2.4% و3.9% على الترتيب، وكلاهما يمثل أدنى مستوى منذ عام 2021.
وأشار عدد من صانعي السياسة النقدية إلى أن البنوك المركزية قد تكون فعلت ما يكفي بالفعل لكبح جماح التضخم، في إشارة إلى الوصول لذروة معدلات الفائدة.
توقعات تيسير السياسة في 2024
ومع وصول دورة التشديد النقدي إلى نهايتها، تتوقع بنوك أبحاث أن يشهد عام 2024 تحول السياسة النقدية في معظم البنوك المركزية إلى خفض الفائدة.
وقالت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني إن البنوك المركزية الكبرى وصلت إلى ذروة دورة التشديد النقدي، بعد توقف الاحتياطي الفيدرالي والمركزي الأوروبي وبنك إنجلترا عن رفع الفائدة منذ الربع الثالث من هذا العام.
بينما تتوقع «فيتش» أن تكون الخطوة التالية للبنوك المركزية الكبرى هي التحول لخفض الفائدة، فإن عملية تيسير السياسة ستكون أكثر بطئا وأقل وتيرة مما تتوقعه الأسواق المالية حاليا.
وتعتقد الوكالة أن معدلات الفائدة ستنخفض في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة بمقدار 75 نقطة أساس بحلول نهاية عام 2024، بينما يتوقع بنك «إي إن جي» خفض الفائدة الأميركية بمقدار 150 نقطة أساس في العام المقبل، لتبدأ في شهر مايو بخفض 25 نقطة أساس.
كما يتوقع البنك الهولندي خفض الفائدة في منطقة اليورو بمقدار 75 نقطة أساس في 2024، بالإضافة إلى تقليص بنك إنجلترا للفائدة 100 نقطة أساس.
ويرى «بنك أوف أميركا» أن البنوك المركزية العالمية ستخفض الفائدة 152 مرة في العام المقبل، في أكبر عدد لمرات الخفض منذ ظهور وباء «كورونا» في عام 2020.
ضغوط قوية من الأسواق
تعاني البنوك المركزية من أجل تهدئة حماس الأسواق المالية المتلهفة إلى خفض معدلات الفائدة بشكل سريع في العام المقبل.
وتوقع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع ديسمبر خفض معدلات الفائدة إلى 4.6% بحلول نهاية العام المقبل، ما يمثل 3 عمليات خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل منها.
لكن الأسواق المالية تسعر خفض الفائدة الأميركية بحوالي 150 نقطة أساس في العام المقبل، ما يمثل 6 عمليات خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل منها، بحسب أداة «فيد واتش».
ودفعت توقعات الخفض السريع للفائدة الأميركية الأسواق المالية لتحقيق مكاسب قوية خلال الأسابيع الأخيرة، حيث صعد مؤشر «داو جونز» للأسهم لمستوى قياسي جديد، كما انخفض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات أدنى 4% لأول مرة منذ يوليو.
وقال «أوستان جولسبي» رئيس الاحتياطي الفيدرالي في «شيكاغو» إنه شعر بالارتباك إزاء سلوك السوق المرتبط بتوقعات خفض الفائدة الأميركية.
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، تتوقع الأسواق قيام البنك المركزي الأوروبي ببدء خفض معدلات الفائدة في مارس المقبل، وهو ما لا تؤكده أي تصريحات من جانب مسؤولي البنك.
كما تسعر الأسواق قيام بنك إنجلترا بخفض الفائدة 100 نقطة أساس في 2024، رغم استبعاد البنك أي حديث حاليا عن تقليص تكاليف الاقتراض.
على ماذا تراهن الأسواق؟
تأتي توقعات الأسواق بخفض معدلات الفائدة عالميا بشكل سريع في العام المقبل مدعومة بتباطؤ التضخم والقلق من دخول الاقتصادات في حالة ركود.
يخاطر إبقاء معدلات الفائدة عند مستويات مقيدة لفترة أطول من اللازم بدفع الاقتصاد إلى الركود وزيادة البطالة، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض الحقيقية.