خطان متوازيان من النهج الذي أتصوره في ضوء مجريات الأحداث لصفحة مستمرة لمسيرة الكويت اليوم بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الذي نودي به من قبل مجلس الوزراء وفق ما ينص عليه دستور الكويت، وفي سلاسة تسلم مقاليد الحكم. والحق أقول إن ما حدث من سهولة ويسر يؤكد ما كان يرمى إليه من ملامح مسار جديد لخارطة المشهد السياسي في كويتنا العزيزة، ولما عرف عن صاحب السمو من قدرة على جمع خطى النهج وما عرف عنه تاريخيا من دقة في تطبيق القانون.
ووفق شعار الكويتيين بعدما ودعوا أميرنا الراحل وذكر مناقبه الكثيرة «رحيل أمير العفو وأهلاً بمشعل الإصلاح».. كان دائما وأبدا حلمنا بالإصلاح والإصلاح الإداري واشتقنا لقرارات حاسمة شاملة في جميع أجهزة الدولة بعدما كتبنا ونادينا كثيرا بإصلاح حقيقي يعود على البلاد بالنفع.
وللحقيقة والواقع أذكر أن حبنا لأميرنا الراحل الشيخ نواف الأحمد، طيب الله ثراه، لم يأت من فراغ، فكان تعاطفنا معه على نطاق واسع في مرضه وفي رحيله - طيب الله ثراه - ومنذ أن فوض بعضا من صلاحياته لولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الذي قام بعبء الإدارة التي تتعدد فيها الرؤى، وللتاريخ أشهد أن أميرنا الراحل صفحته بيضاء تميز طوال حياته وخلال تحمله المسؤولية عن أهل الكويت وحتى المقيمين فيها بالانضباط والتسامح والبساطة.
واستمرارا للصبر، يأتي الحلم بعصر إصلاحي وإنجاز يستحق في أكثر من نظام إداري وسياسي وبثقة مطلقة في قرارات صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد في الإبحار بالكويت وأهلها إلى آفاق أرحب وقيادة رشيدة تترفع إدارة البلاد على المصالح الخاصة والضيقة وتحقق الأمن والأمان.
وتتنوع الملفات والتحديات أمام صاحب السمو الأمير بين إصلاح المشهد السياسي بزيادة التعاون بين السلطتين وتذليل العقبات أمام المطالبات البرلمانية بتحسين معيشة المواطن، فضلا عن إقرار بعض القوانين المؤجلة (قانون الدين العام، وتنفيذ البرنامج الحكومي) علاوة على بعض الملفات الخارجية.
ولعلنا جميعا نتذكر جيدا خلال السنوات الثلاث لحكم الأمير الراحل شُكلت نحو 8 حكومات وتم إجراء انتخابات برلمانية نحو 3 مرات وتدخل صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد العام الماضي لحل الخلاف بين الحكومة ومجلس الأمة وانتهى الأمر بحل الأخير وإصدار مرسوم بإجراء انتخابات جديدة وتعيين سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيسا للحكومة مع تأكيده في مناسبات عدة على ضرورة إزالة الاحتقان بين السلطتين.
ومن الملفات المهمة أيضا الكثير من مشروعات القوانين المرتقبة في البلاد ومن أبرزها قانون «الدين العام» المنتهية صلاحيته منذ سبتمبر عام 2017 والذي دائما ما يلقى معارضة برلمانية، يأتي ذلك رغم سعي الكويت إلى تعديل قانون الدين ليشمل إصدار الصكوك الإسلامية كأداة من أدوات الدين العام لتمويل عجز الميزانية والمشروعات التنموية وهو ما وافق عليه مجلس الوزراء عام 2019 ولكن لم يتم تطبيقه بعد.
ويأتي مطلب تحسين معيشة المواطن وهو ما أوصى به أميرنا الراحل الشيخ نواف الأحمد، رحمه الله، قبل رحيله، وعليه يترقب الكويتيون في عهد صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد تنفيذ الخارطة التشريعية لمجلس الأمة في دور الانعقاد الحالي والتي تتضمن قوانين عدة منها رفع الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية والبديل الاستراتيجي وتعديل هيكل الأجور وتعديل قانون التأمينات الاجتماعية، وقانون ذوي الاحتياجات الخاصة.
ثم يأتي تحدي الاقتصاد، بضرورة تسريع وتيرة المشروعات الاستثمارية والرأسمالية في البلاد، بينها تنفيذ رؤية الكويت 2030 والمضي قدما في برنامج عمل الحكومة للفصل التشريعي السابع عشر للفترة من 2023 إلى 2027 وجاء بها قانون الدين.
كما أن الحاجة إلى ضرورة دعم وتنويع اقتصاد الكويت المعتمد بأكثر من 88% على الإيرادات النفطية مع استمرار السيطرة على معدلات التضخم وتحقيق الفائض في الموازنة العامة للبلاد مع تسريع وتيرة مشروعات الخطة الائتمانية.
ولن يكون المشهد المحلي وحده ضمن أوليات صاحب السمو الأمير، فهناك العديد من القضايا الدولية التي تمارس بها بلادنا دورها في التأثير بالحدث، منها استمرار الضغط دوليا للمطالبة والتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني الذي دائما تدعمه الكويت.
إلى جانب ذلك، سيكون حاضرا في المشهد الخارجي حل مشكلة حقل الدرة ومنطقته، والتي أثيرت مؤخرا مع تأكيد الجانبين الكويتي والسعودي على أنهما الأحق بثرواتها وأنها إرث مشترك بينهما.
وأقسم سمو الأمير: وهو يؤكد لهم ثقل حمل الأمانة «وما أعظم أداء القسم العظيم وما أشد الوفاء بالعهد والوعد، وأنا اليوم وقد تسلمت زمام الحكم تكليفا لا تشريفا، فإنني من خلال مجلسكم الموقر أعاهد الله سبحانه وتعالى ثم أعاهد الشعب الكويتي الوفي كممثلين له أن أكون المواطن المخلص لوطنه وشعبه الحريص على رعاية مصالح البلاد والعباد المحافظ على الوحدة الوطنية الساعي إلى رفعة الوطن وتقدمه وازدهاره المتمسك بالدين الحنيف والثوابت الوطنية والدستورية الراسخة، حاملا لواء احترام القانون وتطبيقه، المحارب لكل صور الفساد وأشكاله، مستذكرا ما تركه لنا الآباء والأجداد من أمانة الحفاظ على الوطن ومنفذا وصية حكامنا السابقين - طيب الله ثراهم - بأن الكويت هي البقاء والوجود، وأن أعمارنا إنما هي في أعمالنا، وأود أن أؤكد لكم في خطابي هذا استمرار نهج ودور الكويت الريادي مع الدول الشقيقة والصديقة في مختلف القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشرك على التزاماتنا الخليجية والإقليمية والدولية.
وكان لانتقاد صاحب السمو لأداء السلطتين التنفيذية والتشريعية صدى كبير من الوضوح والصراحة والشفافية، وهذا ما أكده في خطابه حين أشار إلى العديد من «الاستحقاقات الوطنية التي ينبغي القيام بها لصالح الوطن والمواطنين ولم نلمس أي تغيير أو تصحيح للمسار، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك عندما تعاونت السلطتان واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد وما حصل من تعيينات ونقل في بعض الوظائف والمناصب والتي لا تتفق مع أبسط معايير العدالة والإنصاف وما حصل كذلك في ملف الجنسية من تغيير للهوية الكويتية وما حصل في ملف العفو وما ترتب عليه من تداعيات وما حصل من تسابق في ملف رد الاعتبار لإقراره لهو خير شاهد ودليل على مدى الإضرار بمصالح البلاد والمكتسبات الوطنية، كما قال سموه إن «ما يزيد الألم والحرقة سكوت أعضاء السلطتين عن هذا العبث المبرمج لهذه الملفات وغيرها، ما أسبغ عليها صفة الشرعية».
وتابع سموه: لهذا جاء قرارنا السيادي مكتوبا بوقف جزء من هذا العبث ووقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب لأجل مسمى وسيتم التعامل مع باقي الملفات الأخرى فيما بعد بما يحقق مصالح البلد العليا.. هكذا أفاض صاحب السمو الأمير صراحة مؤكدا ومحذرا ومحاربا للفساد بكل درجاته، ومؤكدا وصية سمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، طيب الله ثراه، بأن الوحدة الوطنية والتمسك بها هي ضمان البقاء بعد الله، داعيا إلى ضرورة مراجعة واقعنا الحالي من كل جوانبه، خصوصا الجوانب الأمنية والاقتصادية والمعيشية والتي هي وصية سمو الأمير الراحل، طيب الله ثراه.