القارئ العزيز، نعلم ان من مقاصد الشريعة الغراء الارتقاء بالعقل البشري والسمو به لمعالي الأخلاق الكريمة، ولا يكون ذلك إلا بشرف العلم في شتى صوره، ومن أبرز صوره القراءة والحفظ، وكانت الإشارة واضحة بتسمية سورة كاملة باسم القلم والقسم بها، (ن، والقلم وما يسطرون) القلم: 1، والمقسم به عظيم لعظم الذي أقسم به، وهو ربنا جل جلاله، وقد ثبت في الحديث النبوي قوله صلى الله عليه وسلم: «أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة». ولذلك اهتم الإسلام بالإنسان من حين حمله وولادته، فقبل الولادة أمرنا الله بأن نتخير لأطفالنا أمهات صالحات وآباء صالحين، فجاء الأمر القرآني: (انكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم)، واهتم بصيانته وتعويذه من الشيطان بقول امرأة عمران عن ابنتها (وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم).
والاعتناء بالبذر والزرع من حين غرسه ينتج نباتا طيبا (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه) الأعراف: 58، وبداية الإسلام والوحي للنبي صلى الله عليه وسلم كانت بكلمة (اقرأ) في سورة العَلق ومعنى العَلق قطعة من الدم الجامد الغليظ الرطب في رحم المرأة، وسميت العلقة بذلك لتعلقها في الرحم كمرحلة من مراحل ابتداء خلق الإنسان.
والمرأة الصالحة الحامل بابنها - هي الأرض الطيبة - لا تنقطع عن ذكر الله تسقي نفسها وجنينها ببركة قراءة القرآن وكتب العلم النافعة لأنه عامل مؤثر على الجنين كما أثبته العلم الحديث، حتى وصلت توجيهات بعض العلماء المعاصرين في الغرب للأمهات بالحديث مع الجنين لأنه يشعر بأمه وتقرأ أحيانا له بعض القصص.
وكان من عناية السلف الصالح بأطفالهم أن يؤذن في أذن المولود، وابن القيم كتب كتابا خاصا في أحكام المولود أسماه «تحفة المودود بأحكام المولود»، وقد ذكر في الباب الثالث عشر جواز حمل الأطفال في الصلاة على حالهم، والخامس عشر في وجوب تعليمهم وتأديبهم، فالأول قدوة تعليمية وإن لم يستوعبها والآخر تلقينية عندما يميز.