تطوير التعليم العالي ضرورة مستمرة حتى تواصل المؤسسات التعليمية ومخرجاتها مواكبة ما يشهده العالم من تطور وتقدم، لكن هذا التطوير تعرقله في مواقع كثيرة مجاملات يكون لها تأثير سلبي على العملية التعليمية برمتها.
فمثل هذه المجاملات قد تعني أن يحصل شخص ما على حق ليس له، وهو ما يعني حينها أن صاحب الحق قد حرم منه، ومن ثم يظهر الشعور بالسخط والرفض للوضع القائم وهو ما يؤثر حتما بالسلب على مسيرة التطوير.
أما أكبر الخسائر فتكون عندما يكون انتماء الشخص أو الموظف المتأثر بمجاملات المسؤول عرضة للخلل، فإما يكون ولاؤه لمن جامله وهذا لا يجعل التطوير هدفه الأساسي، وإما يكره المنظومة بالكلية بسبب من يرى أنه تحامل عليه واتخذ قرارات تعسفية ضده، وعندها قد نخسر عقولا مبدعة.
إن تطوير التعليم العالي يحتاج من المسؤول أن يفصل بين العاطفة والعمل، فمعيار أي ترقيات أو مكافآت أو منح أي مزايا يجب أن يكون محايدا دون محاباة أو ظلم، لأنه في كلتا الحالتين تضيع الكفاءات وتتلاشى الخبرات ويتم وأد الإبداعات. إن تحقيق هذا المعيار واجب وطني، وهو يحتاج صبرا وقوة في قول الحق وثقة بالطاقات وعزما في الإنتاج.
أمر آخر أن أي محاباة أو مجاملة في التعليم العالي لا تؤثر سلبا على الأشخاص فقط، وإنما يصل ضررها إلى الطالب، الذي يتأثر سلبا بأي ضرر يقع على أستاذه بسبب ضياع حقه، فينتقل هذا الضرر بصورة مباشرة إلى الطالب. وبذلك يصبح هذا التصرف اللامسؤول نقطة سوداء في النهضة التعليمية.
كذلك فإن هذا النمط من السلوكيات القائم على المجاملات والمحاباة هو أمر معد، فما ان يقوم به مسؤول حتى يكرره لاسيما اذا مر الأمر دون عقاب، ليس فقط ذلك، بل إن المسؤولين الآخرين يستنسخون هذا السلوك الضار الذي يبدأ في الانتقال كالعدوى من شخص إلى آخر حتى يصبح الأمر عادة يستفيد منها المقربون أو المتشابهون ويتضرر منها أصحاب الحقوق، فتتضرر العملية التعليمية.
يؤدي انتشار هذا السلوك أيضا مع الوقت إلى ضعف الإدارة، فمع وصول أشخاص غير مستحقين إلى مراكز القرار والإدارة تتضاءل الكفاءة وينعكس ذلك على تطوير التعليم المنشود، فتتلاشى الآمال في الوصول إلى هذه الغاية، بل إن مخرجات التعليم العالي نفسها تتأثر بسبب سوء الإدارة وعدم توفير المناخ المناسب للتعليم الجيد.
هكذا يجب اعتماد معايير الكفاءة والكفاءة فقط في منح المزايا والترقيات وتقلد المناصب، لأن ذلك من شأنه بناء منظومة تعليمية متماسكة تقوم على القدرات لا المعارف أو المجاملات، وهذه القدرات التطويرية من شأنها الارتقاء بالتعليم والمتعلمين.