رغم مرور أشهر عدة، إلا أن الحرب المستعرة في غزة لا تزال تحرق بنيرانها الأخضر واليابس، ولا تزال الآلة العسكرية الصهيونية تمارس عدوانها وضربها بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، والأعراف الإنسانية، وكأننا نعيش في غابة، القوي فيها يأكل الضعيف.
لقــد أظــهرت إسرائيل خلال هذه الأشهر العجاف على أهل غزة، أنها لا تـــريد حـلولا سلمية، ولا ترغب في إنهاء حربها ضد الضعفاء والنساء والأطفال في غزة، حيث إن التفكير لديهم مرتكز على فكرة واحدة لا بديل لها، وهي تهجير أهل غزة من بيوتهم وأراضيهم، ووضعهم بأماكن أخرى في بلدان مجاورة أو غير مجاورة، من أجل توسيع المستوطنات الإسرائيلية، وفرض السيطرة الكاملة على قطاع غزة، الذي يرون أن فيه ميليشيات مسلحة تسبب لهم الصداع كل يوم.
إن الصهايــنة يريدونها حربا طاحـــنة، بدلا من حل الخـــلافات والتـفكير في السبب الذي جعل بعض أهـــل غــزة يلجأون إلى المقاومة، وهو سبب واضح منذ عشرات السنين، بعــد إنشاء دولة كانت في عـلم الغيب ولا وجود لها على أرض الواقع، وإقامتها على أنقـــاض دولة مستقلة وقائمة بذاتها وذات سيادة وتاريخ عريق ممتد بتراثه وعاداته وتقاليده بمقوماتها التي مازال الكيان الصهيوني يحاول اغتصابها هي الأخرى، من خلال سرقة الفلكلور الفلسطيني ونسبه إلى تاريخ ليس له جذور.
إن المسألة التي يجب أن يفكر فيها الصهاينة ويوقنون بها هي أن الحق الفلسطيني موجود والشعب الفلسطيني سيبقى، وعليهم أن يقبلوا بحل توافقي قائم على السلام العادل، الذي ينصف الضعفاء، ولا يبخس حقوقهم التاريخية في أرضهم المغتصبة.
فالصراع بين الفلسطينيين والصهاينة ليس وليد اللحظة التي اختطف فيها فلسطينيون مسلحون رهائن من عمق الكيان الصهيوني، بل إنه قديم ولن ينتهي إلا بعودة الحق لأهله، فالصراعات ستتجدد كل فترة وأخرى، ولن يأمن الصهاينة وهم المغتصبون الجانب الفلسطيني، الذي يربي أجياله ويعلمهم ويعرفهم بأن أرضهم مغتصبة.
إننا في فصل الشتاء القارس، والأطفال والنساء والضعفاء والمرضى من أهل غزة يعيشون مآسي حقيقية، لا يمكن وصفها، هذه المآسي يراها العالم بأسره، ولكن التحركات لوقفها قليلة ولا تتعدى مبادرات دول قليلة.
إن إيجاد حلول توافقية لوقف الحرب في غزة، ليست بالأمر الصعب، لو أن العدو الصهيوني كانت لديه النية الصادقة لذلك، ولا يفكر في مسألة التهجير، وإخلاء غزة من أهلها، حيث إن هذه النية تجهض كل المحاولات.
إن الكويت بعروبتها وتحركاتها الإنسانية، ضربت أروع الأمثلة في الوقوف إلى جانب أهل غزة، ولن تتوانى في فعل أي شيء لتخفف عنهم وطأة الحرب، وما تسببه لهم من كوارث، وها هي قوافل المساعدات مستمرة عبر الممرات الجوية، فليحفظ الله بلدنا الكويت وأهله.