لا يمكن أن يكون هناك مجتمع متكامل ومترابط ومتلاحم لا يوجد فيه وسائل إعلام، فالإعلام قديم قدم المجتمعات، ومنذ كان الإنسان يعيش في الكهوف استعمل وسائل الإعلام لإطلاع الآخرين على ما يحدث في بيئته، حيث كان يوصل المعلومة من شخص إلى آخر، وبعد أن تعلم اللغة والكتابة تعددت وسائل الإعلام وأصبحت عبر الصوت والكتابة والأغنية والصورة ثم المسرح.
ومع بدايات القرن العشرين بدأ العالم يشهد ثورة في وسائل الإعلام تمثلت في ظهور الصحافة والإذاعة ثم التلفزيون وأخيرا الوسائل الإلكترونية «الإنترنت» ومواقع التواصل الاجتماعي، على أن هذا التطور الهائل الذي شهدته وسائل الإعلام وانتشارها السريع في كل أنحاء العالم قد أحال العالم إلى قرية كبيرة، وتعد وسائل الإعلام من أهم الضرورات لوجود أي مجتمع، وقد تأكد في عالم اليوم أن الاتصال الجماهيري ليس مجرد خاصية رئيسية للتطور التكنولوجي الذي أنجزته الإنسانية، بل هو أحد الأسس التي لا يمكن تصور الحياة من دونها، فهي تؤدي وظيفة مركبة تتصل بعمليات توصيل المعرفة وتكوين الاتجاهات وتشكيل المواقف.
ويمثل الإعلام عنصرا مؤثرا في حياة المجتمعات باعتباره الناشر، والمروج الأساسي للفكر والثقافة، ويسهم بفاعلية في عملية تشكيل الوعي الاجتماعي للأفراد إلى جانب الأسرة والمؤسسات التعليمية والمؤسسات المدنية، بل إنه في كثير من دول العالم أحد منتجي الثقافة، عن طريقه يتم التفاعل والتأثير الإنساني المتبادل، وفي السنوات الأخيرة اكتسبت وسائل الإعلام باختلافها أبعادا جديدة زادت من قوة تأثيرها على الأفراد والجماعات، وحظي موضوع وسائل الإعلام باهتمام العديد من المفكرين والأكاديميين والباحثين لما له من دور في إثارة الاهتمام بالقضايا والمشكلات المجتمعية المطروحة.
ومن ثم فإن الإعلام لا يمكن أن ينفصل عن المجتمع أو النظام الاجتماعي، ففهم أي منهما لا يتم إلا بالرجوع إلى الآخر، فالعمليات الاتصالية الإعلامية هي عمليات اجتماعية تتأثر بباقي العمليات الاجتماعية الأخرى، وإن المؤسسات الإعلامية هي نظم اجتماعية تتأثر بباقي النظم الاجتماعية والسياق الاجتماعي العام.
ولعل ما يؤكد أهمية تناول دور الإعلام في معالجة قضايا المجتمع المختلفة، هو أن وسائل الإعلام أصبحت سلاحا ذا حدين، فهي أولا: قوة إيجابية داخل المجتمع تعمل على تماسكه وتدعيم بنائه، كما تعبر عن قضاياه وتكشف عن ألوان الفساد والمحاباة والانحراف، وتساهم في دفع عجلة التنمية فيه.
وثانيا: هي قوة سلبية إذا لم يحسن اســتخدامها، وذلك أنها قد تعمل على تخـــريب المجتمع، وتفـــتيته، وتحطيم معــنوياته، وتشويه شخصيته الوطنية بغرس قيم غريبة فاسدة، وبتقديم صور من النماذج الغريبة للاحتذاء.
وبالتالي، إن تأثير وسائل الإعلام متعدد الأوجه والمجالات، على المعرفة والسلوك والاتجاهات والمواقف، وينعكس هذا التأثير على العلاقة الثنائية بين وسائل الإعلام والمجتمع.
وقد أكد ماكلوهان على أن الوسيلة المهيمنة للاتصال غيرت السلوك البشري أكثر من الرسائل الفردية التي يحتويها الوسيط. وكان يقصد بذلك التأكيد على حقيقة أن وسائل الاتصال لا يمكن أن تكون محايدة إلا إذا كانت بأيدي أبناء البلد ورجالاته، وقد علق ماكلوهان ذات مرة بأن وسائل الإعلام «تخيف الناس».
والله من وراء القصد!