إسطنبول «الأنباء» - خاص
إسطنبول.. قلب العالم ورئته.. المدينة الساحرة الأجمل بين مدن البسيطة، شهد بذلك قادة وعظماء قدماء ومعاصرون سحرتهم تلك المدينة بتاريخها وعراقتها وموقعها وطبيعتها.. وأيضا سكانها، ناهيك عن أجوائها طوال العام: صيفها رائع، وشتاؤها بديع، وربيعها وخريفها أجمل وأجمل، يملؤك الشوق إليها وأنت فيها، ويغمرك الحنين إليها وأنت بعيد عنها.
هذه هي إسطنبول في عيون الكثيرين، في كل زيارة تجد فيها الجديد والحديث المستند إلى قديم ضارب في جذور الزمن عبر قرون وقرون، شاهد على حضارات وممالك وأباطرة وقادة وصراعات ومعارك، وأحداث وطرائف تجسدها شواهد من كنائس ومساجد ومعابد وأسوار وقصور وحدائق وخلجان ومضائق، كل شبر فيها ينبئ عن حكاية، وكل شاهد له رواية، وهكذا تزور إسطنبول فتغرق في أعماق التاريخ وتطل على رحابة الحاضر وترنو إلى المستقبل المذهل.
حلّقت «الكويتية» ظهرا فوق إسطنبول المختبئة في غمام كثيف أخفى كثيرا من معالمها حتى حطت في واحد من أجمل مطارات العالم وأكبرها، إذن هو شتاء إسطنبول استقبلنا بوابل منهمر من سمائها الداكنة ورياح باردة لكنها منعشة تتسرب إلى الأجساد، فتحفز طاقة الدفء وتدفع الجميع إلى الحركة، فلا يفتر زخمها في شوارع المدينة الجميلة المحاطة طرقها بالأشجار والحدائق والهضاب. يوم شتوي أول لم نر فيه شمس المدينة، لكن ليله كان عامرا بالنشاط.. البشر هنا وهناك لا يفوتهم المطر المنهمر ولا تُعطلهم الرياح الباردة، فالشوارع والأسواق والمقاهي والمطاعم لا تهدأ، والمجمعات التجارية الفخمة والبديعة ملأى بالمرتادين من كل الأعمار والأجناس.
آيا صوفيا
الآن، وفي صباح اليوم النهائي من رحلة الـ 96 ساعة، انطلقت القافلة إلى المنطقة التاريخية إلى «الفاتح» أو «السلطان أحمد»، وتحديدا إلى «آيا صوفيا».. حكاية الزمن ورواية التاريخ، الشاهد على مئات القرون الماضية، المعلم الأشهر حديثا وقديما، المسجد الذي يؤمه المصلون والزوار على مدار الساعة كان محطتنا الأولى، التي بنيت على التل الأول من تلال سبع بنيت عليها القسطنطينية (إسطنبول).
حكاية «آيا صوفيا» تدهشك وأنت تسمعها وتشاهدها باللغة التي تحبها في متحف آيا صوفيا الذي افتتح حديثا، وخلال نصف ساعة تقريبا تتعرف على هذا التاريخ العريق منذ تشييد الكنيسة في عهد الإمبراطور قسطنطنيوس عام 360م، وأعيد بناؤها من جديد في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني عام 415م، ثم بنيت في عهد الإمبراطور جوستنيان الأول بين عامي 532 و537 واستمرت الكنيسة تكتب تاريخها حتى فتحت المدينة عام 1453م على يد السلطان محمد الفاتح الذي حولها إلى مسجد وجد كل الرعاية من السلاطين العثمانيين طوال تاريخهم. متحف آيا صوفيا بالفعل معلم لا تفوتك زيارته والتعرف على هذه المسيرة لهذا الصرح العملاق.
القصر المغمور
في المنطقة التاريخية، وتحت 20 مترا من سطح الأرض، يدهشك القصر المغمور.. خزان يعد الأكبر قديما، والذي بني على أيدي البيزنطيين في القرن السادس عشر الميلادي على مساحة نحو 1000 قدم مربع يستوعب نحو 80 ألف متر مكعب في المياه ويمتلئ بالمياه المتدفقة من منطقة السلطان أحمد.
والقصر المغمور يضم 336 عمودا رخاميا بطول 9 أمتار وأعيد اكتشافه في عام 1545 ميلادية، وقد أعيد ترميمه مؤخرا وافتتح للجمهور، وهو بحق تحفة فنية معمارية هندسية لا يخلو من الأساطير والأعاجيب المنحوتة على أعمدته والمحكية عن قدماء ساكني المنطقة.
البازار الكبير
زيارة إسطنبول تستوجب زيارة الأسواق المنتشرة في المدينة، خصوصاً الأسواق التاريخية وأهمها البازار الكبير الذي يؤمه الرواد على مدار الساعة ولا تهدأ جنباته وهي تضم آلافا جاؤوا من كل حدب وصوب.
وفي اليوم الثالث، شهدنا أخيرا شمس إسطنبول التي سطعت لنحو 4 ساعات، كنا خلالها ضيوفا على غلاطة بورت، تلك المنطقة العريقة على ضفاف البوسفور وتزخر بالفنادق والأسواق والمقاهي والمتاحف أيضا.
المركز الثقافي
منطقة تقسيم كانت وجهتنا في المساء، وتحت المطر المنهمر كانت الحافلة تنطلق بنا إلى معلم جديد إلى مركز أتاتورك الثقافي الذي افتتح حديثا بعد بنائه على أنقاض مبنى أتاتورك الثقافي القديم، ويشكل واحدا من أبرز مراكز الفنون والثقافة في إسطنبول وتركيا عموما، بل وينافس كبرى المسارح ودار الأوبرا العالمية. يضم المركز قاعة للأوبرا تسع 2040 شخصا استخدم في بنائها 15 ألف قطعة سيراميك حمراء يدوية الصنع، ويحتضن المركز مسرحا بمساحة 16 ألف متر مربع، إلى جانب قاعة مؤثرات ومسرح سينمائي وقاعة عرض.
مكتبة عملاقة
أما مكتبة مركز أتاتورك الثقافي فهي بديعة بكل معنى الكلمة، زاخرة بعشرات الآلاف من المؤلفات بمختلف اللغات، وكانت زيارتها ختاما لجولة الأيام الثلاثة.
زيارة إسطنبول أتاحت للمجموعة التعرف أيضا على جديد الأطعمة، ومراكز الفن والإبداع في المجوهرات وعالم الذهب والفضة والألماس بأياد تركية مطعمة بثقافات شرقية وغربية.
التجول في تقسيم والمناطق المحيطة كان جزءا من متعة الرحلة، فما أحلى شتاء إسطنبول التي ترفع شعار Go to Turkey.
شكراً.. سعادة السفيرة
شكر واجب لسعادة سفيرة الجمهورية التركية في الكويت طوبا نور سونماز وفريق السفارة على دعوتهم «الأنباء» وإعدادهم وتسهيلهم للرحلة ومتابعتهم لتفاصيلها ووضعهم البرنامج الحافل لها.
والشكر للفريق المصاحب والمعاون في إسطنبول الذي بذل كل جهد في سبيل إنجاح الرحلة.