قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن الاقتصاد الكويتي أنهى عام 2023 بأداء إيجابي، إذ ظهرت في الربع الأخير من العام بعض المؤشرات على تحول مسار نمو الائتمان المصرفي والنشاط العقاري وأداء سوق الأوراق المالية، فيما انخفض معدل التضخم أخيرا في ديسمبر بعد أن بقي محصورا في نطاق محدود خلال معظم العام الماضي.
وأشار التقرير إلى أن الربع الرابع من عام 2023 تميز بتسارع وتيرة التشريعات الحكومية، إذ تم إقرار العديد من القوانين، بما في ذلك إلغاء شرط الوكيل المحلي للشركات الأجنبية، والسماح لها بالدخول في المناقصات بشكل مباشر، ومكافحة احتكار الأراضي الفضاء لزيادة العرض في القطاع السكني.
كما تم اقتراح تدابير ذات آثار مالية إيجابية محتملة، بما في ذلك فرض ضريبة انتقائية على التبغ والمشروبات المحلاة وفرض ضريبة بنسبة 15% على الشركات متعددة الجنسيات، وتلك الضريبة الأخيرة تأتي بعد انضمام الكويت في نوفمبر الماضي إلى الإطار الشامل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن تآكل الضريبة ونقل الأرباح لمكافحة التهرب الضريبي.
بيانات الناتج المحلي
ولفت التقرير إلى أن الإدارة المركزية للإحصاء أصدرت بيانات الحسابات القومية بعد تأخير دام 3 أعوام، حيث كشفت تلك البيانات عن أن الاقتصاد غير النفطي كان أكثر مرونة خلال الجائحة في عام 2020 مما كان يعتقد في الأساس، إلا أنه اعتبارا من عام 2021 فصاعدا، كان النشاط ضعيفا إلى حد ما مقارنة بالأداء القوي الذي أوحت به المؤشرات الجزئية ذات الصلة.
وأظهرت البيانات نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 1.5% على أساس سنوي في الربع الثاني من 2023 بعد عدة أرباع من الاداء السلبي، ويعزى النمو الذي تم تسجيله في الربع الثاني من عام 2023 الى المكاسب القوية لقطاعي النقل (+35% على أساس سنوي) والبناء (+21%)، إذ عكس الأخير انتعاش وتيرة إسناد المشاريع خلال عام 2023.
من جهة أخرى، انخفض إنتاج القطاع النفطي بنسبة -3.9% على أساس سنوي، وذلك نظرا لقيام الكويت بخفض مستوى إنتاجها من النفط الخام في إطار مشاركتها الطوعية في تخفيضات «أوپيك» وحلفائها. ويفسر الأداء السلبي لقطاع النفط ذي الثقل الوزني الكبير انكماش الناتج المحلي الإجمالي بصفة عامة بنسبة 1.3% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2023.
وتضمنت البيانات الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء مراجعة للسلاسل التاريخية للناتج المحلي الإجمالي، وأظهرت هذه النتائج أداء النشاط غير النفطي بصورة أفضل من المتوقع في عام 2019، وكذلك في عام 2020 الذي تأثر بالجائحة.
أما بالنسبة لعام 2024، فقد يؤدي خفض حصص إنتاج القطاع النفطي بوتيرة أعمق لإبقاء معدل النمو الكلي ثابتا دون تغيير أو تسجيل أداء سلبي بوتيرة هامشية، حتى في ظل التوقعات بأن يتخطى نمو القطاع غير النفطي أكثر من 3% بدعم من مكاسب قطاع التكرير واستمرار نمو الاستهلاك الخاص.
أسعار النفط
وقد انخفضت أسعار النفط بوتيرة حادة في الربع الرابع من عام 2023، إذ أنهى خام التصدير الكويتي تداولات عام 2023 عند 79.6 دولارا للبرميل (-18.7% على أساس ربع سنوي، -3.3% على أساس سنوي)، ما حيا بذلك معظم المكاسب التي حققها في الربع الثالث من عام 2023 نتيجة لخفض الأوپيك للإمدادات.
وعلى الرغم من أن الربع الرابع من عام 2023 شهد تصاعد المخاطر الجيوسياسية في أعقاب الحرب على غزة في أكتوبر الماضي، بما في ذلك الهجمات اللاحقة للمتمردين الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر، إلا أن انعكاس تلك التطورات على أسعار النفط كان ضئيلا.
واعتبرت الأسواق أن هناك ما يكفي من الطاقة الإنتاجية الفائضة على مستوى العالم لتعويض أي انقطاع محتمل للإمدادات، خاصة في ظل ضعف الطلب على النفط، وبلغ متوسط سعر خام التصدير الكويتي 84.3 دولارا للبرميل (-16.7% على أساس سنوي) في عام 2023، بعد أن تم تداوله بعلاوة إصدار تخطت سعر مزيج خام برنت الأكثر تكلفة.
أما بالنسبة لعام 2024، فتشير التوقعات إلى أن سعر خام التصدير الكويتي سيصل إلى 82 دولارا للبرميل في ظل نمو الطلب على النفط بوتيرة أقل، وإن كانت لاتزال قوية، بالإضافة إلى سياسات الأوپيك وحلفائها لإدارة الامدادات.
وفي الاجتماع الوزاري الذي عقد في نوفمبر، وافقت الكويت على مبادرة الأوپيك لتعميق وتمديد خفض حصص الإنتاج الطوعية لعام 2023 حتى الربع الأول من 2024 وربما لفترة أطول لإعادة التوازن إلى السوق ومنع تراكم المزيد من المخزونات النفطية، لينخفض إنتاج الكويت بالربع الأول من 2024 بمقدار 135 ألف برميل يوميا إلى 2.41 مليون برميل يوميا.
استقرار الإنفاق الاستهلاكي
كشفت بيانات بنك الكويت المركزي الخاصة بمعاملات بطاقات الائتمان وبطاقات السحب الآلي أن نمو الإنفاق الاستهلاكي مازال يتحرك في الاتجاه للعودة إلى مستوياته الطبيعية بعد الجائحة، إذ نما إجمالي الإنفاق باستخدام البطاقات المصرفية بنسبة 8.7% على أساس سنوي في الربع الثالث من 2023، بما يماثل الارتفاع المسجل بنسبة 8.4% في الربع الثاني من 2023.
وبالنسبة لتوقعات العام الحالي، فقد يواجه الإنفاق الاستهلاكي رياحا معاكسة بما في ذلك الحالة الضبابية التي تسود الاقتصاد العالمي، وانخفاض النفط على أساس سنوي، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، على الرغم من توقع البدء في خفضها بداية من النصف الثاني من عام 2024.
وترجح المؤشرات إلى ربما أننا قد نكون اجتزنا بالفعل الجزء الأكبر من تباطؤ نمو الإنفاق، إذ أصبح النمو الآن أكثر انسجاما مع الاتجاهات التاريخية بعد الارتفاع المفاجئ في مرحلة ما بعد الجائحة. إضافة لذلك، يمكن تعزيز ثقة المستهلك إذا تعاملت الحكومة مع أجندتها الاقتصادية بجدية أكبر.
القطاع العقاري يحقق أفضل أداء ربع سنوي في عامينذكر تقرير بنك الكويت الوطني أن الربع الرابع من عام 2023 شهد تسجيل القطاع العقاري أفضل أداء على صعيد المبيعات على أساس ربع سنوي وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، في ظل ارتفاع المبيعات بنسبة 13.6% على أساس ربع سنوي إلى 771 مليون دينار.
ويعزى ذلك التحسن إلى قوة نشاط القطاعين الاستثماري والتجاري، والذي شمل صفقات كبيرة في محافظتي مدينة الكويت والأحمدي، بالإضافة إلى انخفاض مبيعات القطاع السكني بوتيرة أقل، واستفاد النشاط العقاري من نهاية فترة الهدوء المؤقت خلال موسم الصيف ونمو ائتمان القطاع العقاري على مدار الأشهر الأخيرة من عام 2023.
ولا تزال المبيعات التراكمية التي بلغت قيمتها 2.8 مليار دينار في عام 2023 تمثل انخفاضا حادا بنسبة 22% مقارنة بمستويات عام 2022. وكان ارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع التقييمات السكنية والتوقعات غير المؤكدة من العوامل التي لعبت دورا في ذلك.
2.47 مليار دينار المشاريع المسندة بالكويت في 2023
أشار تقرير «الوطني» إلى أن زخم وتيرة إسناد المشاريع بالكويت تراجع في الربع الرابع، إذ تم إسناد مشاريع بقيمة 621 مليون دينار، بانخفاض 9.6% على أساس ربع سنوي، ويعكس هذا التراجع ارتفاع قاعدة الأساس في الربع السابق، نتيجة لإسناد مشروع عملاق في قطاع البنية التحتية، إلا أن القيمة المطلقة للعقود المسندة لا تزال مرتفعة وفقا لمعايير ما بعد الجائحة.
ووصلت القيمة الإجمالية للمشاريع المسندة في عام 2023 إلى 2.47 مليار دينار، أي بزيادة 3 أضعاف عن مستويات العام السابق، مسجلة أفضل أداء للسوق منذ 2017 بفارق واضح، وربما كان الأداء القوي الذي سجلته سوق المشاريع العام الماضي انعكاسا للتراكم الشديد لمشاريع فترة الجائحة والتي بدأ إسنادها أخيرا، إلى جانب تحسن معدلات العمالة ونقص المواد.
سوق الأسهم الكويتي.. بداية قوية في 2024
قال التقرير إن الأسهم واصلت تراجعها في الربع الرابع من عام 2023، إذ انخفض المؤشر العام لبورصة الكويت بنسبة 1% على أساس ربع سنوي (-6.5% على أساس سنوي) مسجلا أداء أضعف بكثير من مؤشر مورجان ستانلي الخليجي (+6.3% على أساس ربع سنوي).
وبلغ متوسط قيمة التداولات في الربع الرابع من العام 46 مليون دينار، بتحسن طفيف عن أدنى مستوياتها المسجلة خلال ثلاثة أعوام والذي بلغ 41 مليون دينار (إلا انه لا يزال أقل بكثير من مستويات عامي 2021-2022).
وفي نهاية ديسمبر، تحولت المعنويات لاتجاه أكثر إيجابية، في ظل تطلع الأسواق إلى خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة في 2024. وامتدت تلك المعنويات للعام الجديد، وتحسنت أكثر بعد تشكيل الحكومة الجديدة. وارتفع المؤشر العام لبورصة الكويت بنسبة 6.1% كما في 18 يناير، وتعافت أنشطة التداول، وارتفع متوسط قيمة التداولات اليومية إلى 69 مليون دينار، ما يمثل بداية قوية للعام الحالي.
التضخم سيتباطأ إلى 2.5% خلال 2024
ذكر «الوطني» أن التضخم بالكويت تراجع في ديسمبر 2023، إذ تباطأ إلى 3.4% على أساس سنوي مقابل 3.8% في نوفمبر و3.7% بنهاية الربع الثالث من عام 2023، ويعكس هذا التباطؤ اعتدال وتيرة نمو أسعار المواد الغذائية والمشروبات (4.7% على أساس سنوي في ديسمبر مقارنة بمستويات الذروة البالغة 7.7% في أبريل)، والسكن (2.3% مقابل 3.1% في نوفمبر)، والنقل (2.4% مقابل 3.0% في نوفمبر).
إلا أن معدلات التضخم زادت في الفئات الفرعية للأثاث والتعليم والصحة والترفيه والثقافة، رغم أن ذلك لم يكن كافيا للتأثير بشكل إيجابي على المعدل الأساسي، الذي انخفض قليلا إلى 3.4%. وبلغ متوسط التضخم 3.6% في عام 2023 (مقابل 4.0% في عام 2022)، ومن المتوقع أن تتباطأ وتيرته مرة أخرى في عام 2024 إلى 2.5% في ظل تراجع أسعار المواد الغذائية وانحصار ضغوط سلسلة التوريد بشكل أكبر وانخفاض قوة الإنفاق الاستهلاكي.