يعد الشحن البحري من أقدم صور الشحن التاريخية وذلك عن طريق السفن التجارية التي تطورت عبر الزمن لتصبح ناقلات وبواخر تجارية عملاقة تجوب البحار والمحيطات، ونظرا إلى أهمية الشحن البحري منذ فجر التاريخ قامت الكثير من الدول ببناء أساطيل سفن تجارية لتسهيل حركة تبادل البضائع على مستوى العالم.
فهو يمد الاقتصاد العالمي بالحياة، ويؤثر بشكل ملموس على التجارة العالمية وتطور الاقتصاد، خصوصا أنه مسؤول عن نقل ما يزيد عن 80% من مجمل التجارة العالمية في كل أنحاء العالم، كما تسير خطوط الشحن من مرافئ البلدان الصناعية الأكبر في العالم، كالصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند إلى مرافئ رئيسية في أوروبا وأميركا والشرق الأوسط.
المخــاطـر الجيوسياسية والاقتصادية: أدت الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن العابرة في البحر الأحمر من خلال مضيق باب المندب إلى تعطيل التجارة الدولية على أقصر طريق شحن بين أوروبا وآسيا. ودخلت كبرى الشركات العالمية في أزمة نقل بحري وارتفاع أسعار الشحن، مع اضطرار السفن العملاقة إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح باعتباره بديلا عن قناة السويس المصرية التي تمثل نحو 15% من حركة الشحن العالمية.
كما أدى تصاعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية إلى اتخاذ العشرات من شركات الشحن الكبرى قرارا بالتوقف مؤقتا عن استخدام البحر الأحمر لصادرات النفط وسلاسل الإمداد العالمية من البضائع الاستهلاكية والغذائية من الشرق الأقصى ودول الخليج العربي نحو أوروبا والغرب، وتغييره بالالتفاف نحو افريقيا عبر رأس الرجاء الصالح الذي يزيد طول الرحلة الواحدة بنحو 9 أيام.
تعد قناة السويس، وهي ممر مائي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتختصر المسار التجاري البحري بين كل من أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى اتخاذ طريق أطول حول قارة افريقيا.
وتمر نحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال عبر قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج (بلومبيرغ).
أزمة قناة بنما: تعرف قناة بنما، التي تصل بين المحيطين الهادي والأطلنطي في أميركا الوسطى، أزمة غير مسبوقة سببتها التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة في مياه المحيطات، مما أدى إلى نقص المياه فيها.
فقد اضطرت إدارة القناة الى خفض عدد السفن العابرة يوميا من 37 سفينة إلى 18 سفينة، مما أثر بصورة كبيرة على حركة التجارة العالمية، وضاعف من اضطرابات الأسواق وسلاسل التوريد حول العالم. وتعد تلك هي المرة الأولى التي تضطر فيها قناة بنما إلى تقييد عدد السفن المارة بها.
أما أسباب هذه الأزمة، فقد عرف العام الماضي مستويات غير مسبوقة من الجفاف، وسجل عام 2023 بعضا من أعلى درجات الحرارة في التاريخ، وأثرت درجات الحرارة المرتفعة في المحيط الأطلسي وتأخر بدء موسم الأمطار في دول أميركا الوسطى، تأثيرا مباشرا على مستويات المياه في خزانات قناة بنما والبحيرات المجاورة التي تعتبر ضرورية لعملياتها ولمرور السفن والحاويات من خلالها بين المحيطين الهادي والأطلنطي.
وبالنسبة للتداعيات على حركة التجارة العالمية في 2024، فإن استمرار جماعة الحوثيين في اليمن في مهاجمة السفن التي تمر عبر البحر الأحمر عند مضيق باب المندب، أدى إلى انخفاض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 40% حيث تحولت السفن حول الدوران حول القارة الأفريقية. في الوقت ذاته انخفضت التجارة عبر قناة بنما ثاني أكثر ممرات الشحن ازدحاما بنسبة 30% منذ نوفمبر2023.
[email protected]
HamadMadouh@