أبناء وطني إن فبراير مدرسة الكرامة، وعنوان البسالة، سكبت فيه الدماء الزكية قربانا للعرض، وجادت فيه النفوس العزيزة خضوعا للأرض، ومعه اتحد العالم الحر اعترافا بعدالة قضيتنا، فبراير حاضنة كبرى لاتزال تلهمنا الطريق للغد، نستقي من عبقه ما يقوي عزائمنا، ويضاعف إصرارنا.
في هاته اللحظات الاستثنائية من عمر الكويت، يتوقف التاريخ ليرصد عن قرب هذه الأهازيج الندية، يسطر في صفحات الخلد مشاعر النبل والتضحية، يكتب مسيرة لا تنتهي من العشق أبطالها الأرض والواجب والإنسان.
في أجواء فبراير المبهجة يغمرنا الجلال، ومع تدفق نسماته الهفهافة، تتراقص أعلام الحرية شامخة تضرب وجه الفضاء في ميادين العز، تحنو فوق رؤوس أبنائها الذين احتضنوها، ليرددوا في زحفهم المقدس قسم الولاء، فما أبهجها من ساعة.
يتجدد موقف الكويت الثابت والرافض للعدوان، والمناصر للحق والسلام، فلقد كانت قضيتنا من أعدل القضايا التي انتزعت مشروعيتها انتزاعا، حين ساندتها شعوب العالم المحبة للعدل، فاحتفت بها، ومشت معها تساندها بكل ما أوتيت من قوة، إن أجمل ما في فبراير وذكراه، لحظة نسترجع الدور البطولي لقيادتنا التاريخية وديبلوماسيتنا الفذة، الذين حملوا على أكتافهم الأمانة، ليصنعوا من قوة الإرادة قذائف تدك حصون البغي، وترسم مع أسراب المقاومة والبندقية ملحمة الصمود والتحدي.
لقد كانت التحديات صعبة، والرهانات مرهقة، والصورة مظلمة، والتضحيات جسيمة، لكن إيمان شعبنا العميق لم يتزعزع، وثقته بقيادته لم يخامرها شك، لقد خلف فبراير في شعبنا روحا جديدة، وأضفى على نضاله مذاقا مختلفا، روحا امتدت جسورا متينة من الكفاح، تخط ما يصل الماضي بالحاضر ويتطلع للمستقبل، روحا أذابت المسافات بين أبنائه صهرتهم وشكلت منهم جسدا واحدا..
لكني ووسط مخايل عرسنا الوطني الحافل، أنزوي بنفسي لأحمد الله وأشكره على نعمة الوطن، على الأمن والأمان، على الاستقرار والاتحاد، وأجدني أهمس في آذان أبنائي الشجعان من حملة المشاعل بكلمات من القلب، فهذه كويتكم، أحوج ما تكون لجهودكم ولسواعدكم، أقولها صراحة، إن المستقبل لا مكان فيه لمتخاذل أو كسول.
يوافينا فبراير هذا العام، ولاتزال الكويت متسربلة في أحزانها، يغشى بيوتها الأسى لفقد أميرنا المغفور له الشيخ نواف الأحمد ـ طيب الله ثرا ـ الذي ودعناه مؤخرا، ليجعل الله السلوى في أميرنا المحبوب صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد - حفظه الله ورعاه- الذي ترنو إليه الكويت في حنو الأم، قائلة في حماس: «أي بني، يا سليل المجد، هذه أمانتك وهذا شعبك، فانهض على بركة الله وأكمل المسيرة»، إنني على يقين كامل بأن أرضنا الكريمة لا تنبت إلا طيبا، ألا فلتسعد الكويت بأبنائها، ولنهنأ جميعا بفبراير.