تصارع التجارة العالمية المتغيرات الحالية في الساحة الدولية نظير توالي تلك التوترات الجيوسياسية المتزامنة مع الأزمات المناخية المتصاعدة حول أهم مواقع المضائق والقنوات البحرية الممتدة، مستهدفة الأمن البحري ومنافذ الشحن فيه مسببة بذلك عرقلة سير الرحلات البحرية التجارية وانكماش منسوب تدفق التجارة العالمية والتي تعتمد بدرجة كبيرة على النقل البحري.
ولعل قناة بنما، ذلك الممر المائي العالمي المصطنع، تعتبر من أهم هذه المواقع لثقله الاستراجغرافي الذي يربط بين المحيط الهادي والأطلسي والذي استطاع التغلب على صعوبة التضاريس المكانية وخطورة الرحلات السابقة آنذاك والتغييرات المناخية السائدة لتلك المنطقة المنزوية من العالم، وهذا ما أكسبها دورها الحيوي في سلاسل التوريد العالمي من تدفق عبور التجارة الدولية خلالها وزيادة القدرة على مضاعفة حجم المبادلات التجارية بين الأميركيتين وآسيا.
إلا أن التأثيرات البيئية للاحتباس الحراري الممثلة بظاهرة النينيو تسببت بشل جزئي لحركة ملاحة التجارة الدولية، حيث أدت لارتفاع درجات الحرارة والنقص في مياه المحيطات وشح الأمطار المسبب للجفاف، وتلك التهديدات طالت قناة «بنما»، مما أضعف من كفاءتها التشغيلية وقدرتها الاستيعابية على مرور الناقلات التجارية. وباعتبار أن سلامة وأمن الممرات المائية مسؤولية دولية لضمان استقرار الاقتصاد العالمي وحمايته من ذبذبات نقص الامداد وما يتبعه من حالات ركود وتضخم، الأمر الذي يلزم اتخاذ العديد من الإجراءات العلاجية والاستباقية للمشكلات الأمنية والهندسية لجسور العالم المائية، إلا أن الناحية العملية للحلول الميدانية كلفتها باهظة الثمن قد تعجز ميزانية الدولة المنفردة التي تملك حق إدارته وتشغيله القيام بتنفيذه رغم فائدته القصوى التي تعود على النشاط التجاري البحري بشكل عام، وهنا يتطلب التحرك السريع من نادي مجموعة العشرين بوصفه المجلس الاقتصادي الرئيسي العالمي لاستحداث صندوق مالي ضخم لتمويل المشاريع الحيوية التي تؤمن استدامة سلاسل التوريد وتسرع من عجلتها، كإنشاء بنية تحتية صناعية متطورة لتوسيع قناة بنما مع فتح قنوات مائية بديلة لتشجيع التنافس الدولي بما يرفع من جودة وكفاءة وانسيابية النقل البحري العالمي.
[email protected]