يصادف اليوم الخميس 27 من رجب حادثة الإسراء والمعراج، فما من نبي ولا رسول إلا قاسى من أنواع البلاء الشيء الكثير، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لاقى من الشدائد والأهوال ما جعله أهلا لحمل هذه الأمانة مؤيدا من الله بالآيات مصدقا في المعجزات، فلقد فجع رسولنا صلى الله عليه وسلم بموت عمه أبي طالب ومن بعده زوجته خديجة رضي الله عنه، وحزن عليهما حزنا شديدا حتى أطلق على ذلك العام عام الحزن، ومن بعد موتهما تحرك كفار قريش وأنزلوا بالمسلمين أشد أنواع العذاب حتى وصل الأمر إلى أن قام أحد السفهاء بإلقاء التراب على رأسه الشريف، ولما رأته ابنته فاطمة رضي الله عنها بكت بكاء شديدا وحزنت وتألمت لما أصاب أباها، فبدأ صلى الله عليه وسلم بالبحث عمن يدفع عنه أذى وعدوان المعتدين، فذهب إلى الطائف لعله يجد من يساعده ويستجيب لدعوته، لكنه صلى الله عليه وسلم وجد قلوبا أصلب من الحجارة، فقد سلطوا عليه سفهاءهم وعبيدهم يقذفونه بالحجارة والأشواك حتى أدموا قدميه الشريفتين، فأخذ صلى الله عليه وسلم يمسح الدم وهو يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».
ثم شاء الله عز وجل أن يبزغ الصبح المنير بعد الظلام الحالك وانبعث نور الأمل وظهرت بشائر السرور والفرح في السابع والعشرين من شهر رجب قبل الهجرة بعام ونصف العام تقريبا حينما أسرى الله سبحانه وتعالى برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء، حيث سدرة المنتهى، فطوى الله له الأرض في لحظات من الليل وفتح له أبواب السماء وأطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من قبل.
وستظل حادثة الإسراء والمعراج معجزة تفوق كل المعجزات، وإننا بمعجزات العلم لنقف أمامها عاجزين ساجدين صاغرين لننحني أمام قدرة الله سبحانه وتعالى في طي المسافات ولكن كان لهذه الرحلة أثرها العظيم، فقد كان معجزة لهم فاز بها المحسنون الذين صدقوا بهذه الحادثة وكشفت زيف المنافقين، وهنا سؤال يطرح نفسه وهو: هل كان الإسراء والمعراج بالجسد والروح معا أم كان بالروح فقط، وبقليل من التأمل في قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده) نجد أن الفعل نسب إلى الله، فالإرادة والقدرة هنا لله سبحانه وتعالى بأنه هو الذي أسرى، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي أسري به، ومادام الفعل بيد الله عز وجل فلا ينبغي للعقول أن تستبعد وقوعه وهو سبحانه يقول للشيء كن فيكون.
ولو كان الإسراء بالروح فقط أو رؤيا رآها كما يقول البعض لما تعجب كفار قريش من ذلك ولا استبعدوا وقوعه لأن الإنسان في المنام يمكن أن يرى نفسه في أي بقعة من بقاع العالم مثلا وهو لم يذهب إليها من قبل، ولا ينكر أحد ما رآه لأنه منام، ولكن المشركين لشدة إنكارهم طلبوا منه أن يصف لهم المسجد لعلمهم بأنه لم يذهب إلى هناك برحلاته.
كما أن قوله تعالى (أسرى بعبده) دليل على أن الإسراء كان بالجسد والروح معا، لأن كلمه العبد لا تطلق إلا على الروح والجسد معا، فلا يقال للروح عبد ولا للجسد عبد وإنما هذه الكلمة تشمل الاثنين معا، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد مكن الكفرة والملاحدة من أن يجتازوا الفضاء ويسر لهم المشي على القمر، أفلا يسخر البراق ويطوي الزمان والمكان لحبيبه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم؟!
الآن، لابد للمسلمين من أن يدركوا جميعا مسؤوليتهم تجاه المسجد الأقصى وأن يفدوه بدمائهم وأموالهم وبالغالي والنفيس وان التفريط بالمسجد الأقصى جريمة لا تغتفر، ونسأل الله في هذه المناسبة العظيمة ان يجعلها باعث رشد ومنار وهدى وطريق العزة للمسلمين، وأن يرحم شهداءنا وشهداء المسلمين وأن يحفظ الله لنا الكويت وأميرها وشعبها والمخلصين عليها وسائر بلاد المسلمين، ويرد عنهم كيد الكائدين وحقد الحاقدين وان نرى راية الإسلام ترفرف عالية على المسجد الاقصى ويعين الله أهل غزة ومن عليها، اللهم آمين.
[email protected]