إذا كان الفن الإسلامي عموما قد تأثر في بعض مظاهره بفنون البلدان والأمصار التي أضاء المسلمون ربوعها، بفتحهم الإسلامي فإنه مما لا شك فيه أن الخط العربي ظل نقيا خالصا، بعيدا عن يد هذا التأثير، ذلك أن الخط العربي ينتزع اعتراف الجميع بأنه من ابتداع أهله، ويحمل جميع خصائصهم، ويضمن لهم خصوصيتهم، وطبيعتهم العربية وهو الأمر الذي وضع الخط العربي في عالم الفن الإسلامي، بأنه أول وليد لا يدين بالكثير للفنون الأخرى التي سبقت الإسلام.
ويعتبر «خط المسند، هو أقدم الخطوط المعروفة في شبه الجزيرة العربية، ويتشابه في 14 حرفا مع الحروف العربية الكوفية. وكان الخط العربي بحكم أن العربية هي إحدى اللغات السامية معروفا في عصور ما قبل النبوة بقرون طويلة، وأمكنه التعايش مع الخط الحميري في الجنوب الغربي للجزيرة العربية، بل استطاع الخط العربي أن ينسجم مع كل أرض حل بها، فبعد أن ظهر الدين الإسلامي في مكة، ازدادت شهرة الخط المكي، وتطورت صنعته وعندما هاجر المسلمون إلى المدينة وجدوا نفرا قليلا من الأوس والخزرج ممن يعرف الخط، فاستعان النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ثلاثين رجلا منهم لكتابة ما ينزل من وحي القرآن وسرعان ما استقر الدين الإسلامي في المدينة، وشجع النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم الكتابة، بكل الطرق لدرجة أن بعض أسرى قريش فدوا أنفسهم بتعليمهم لعشرة صبيان من المدينة، لعدم استطاعتهم افتداء انفسهم بالمال.
وقد اكتسب الخط العربي قداسته واهتمام الجميع به من قداسة القرآن واهتمام المسلمين به استجابة لنظرة الإسلام الخاصة بالكتابة والكتاب، وبالطبع عندما انتشر الإسلام بين الشعوب غير العربية انتشرت معه الكتابة العربية، وهو الأمر الذي جعل الكتابة والخط العربي يتغلغلان في حياة الشعوب الإسلامية حيث أصبح ذلك جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية في البيت والعمل والمسجد، ولعل أعمق تلك التأثيرات التي تركها الخط العربي في ثقافة الأمم الإسلامية، وهي تأثيراته في الفنون الزخرفية والمعمارية وأثره الضخم في الأدب. وقد يتساءل البعض، لماذا أخذ الخط العربي كل هذا الاهتمام من المسلمين؟ والإجابة مهمة بالطبع، لأن الخط العربي تم التعامل معه باعتباره وسيلة المحافظة على الكلام الإلهي أي القرآن الكريم، وتم استخدامه عاملا مهما في نشر الدين الإسلامي.
وقد انتقلت نظرة العربي إلى الخط والكتابة، إلى كل الأمم الإسلامية بالبلدان التي دخلها الإسلام فازدهرت في إيران والهند مثلا خطوط الطومار، والريحاني والغباري والثلث والمكسور، والديواني، إضافة للخطوط التي أبدع فيها العرب مثل: الخط الكوفي الشطرنجي، والكوفي المزهر أو المعقد، كما برع الخطاطون المسلمون في ابتداع وابتكار تركيبات صورية من الحروف الهجائية، وكتابة بعض الجمل بطريقة بديعة للغاية مثل كتابتهم للبسملة بسم الله الرحمن الرحيم، في شكل طائر. ويعتبر الخط العربي من الفنون التي تجمع بين الليونة والصلابة في تناغم مذهل جعل منه أكثر إبداعات الحضارة العربية الإسلامية أهمية وشمولا، لارتباطه بإنجازات هذه الحضارة من علوم وفنون وآداب، وأصبح بهذه الصورة البديعة مدخلا من المداخل العربية الإسلامية، بل لا يزال يعتبر مدخلا لقراءة الواقع العربي، وبيان مدى مساهمته في إثراء الوجدان الإنساني عامة. ومن حظ الخط العربي، أن حروف اللغة العربية تمتاز بأنها تكتب متصلة أكثر الأحيان، مما يعطى الحروف إمكانات تشكيلية كثيرة، وفي الخروج عن الهيكل الأساسي لها، فأعطت الكتابة العربية تناسقا ورشاقة، فيتولد عن مجموع حركة الخط إشعاع موسيقى، مطابق لشاعرية الخطاط ويده الراقصة، مما أعطى العربية نوعا من الأبهة والفخامة، ويجعل الكتابة به تفردا حاليا بين الكتابات العالمية، لذلك اتخذها أهل الفنون التشكيلية مادة لفهمه قديما وحديثا.