لا يمكن في عالم المعقول والمنطق تصديق أحد يتحدث عن أم حنون أو أب رؤوم يلقيان بابنهما أو ابنتهما في النار ليحترق أمام ناظريهما، فعاطفة الأبوة وحنان الأمومة وما فيهما من حواس مستنفرة تجاه وليدهما كل ذلك يدفعهما للتضحية بالنفيس والرخيص من أجل سلامته ورعايته، وتأمينه وحمايته، هذا هو البديهي في فطرتنا كلنا، أو ما يفترض أن يكون.
لكن من الغرابة أن تعطل هذه الحواس اليقظانة، والعواطف الجياشة، والحراسة المشددة تجاه فلذات الأكباد، عندما يكون الخطر المحدق بهم متعلقا بيوم القيامة والآخرة، أو بالفلاح الحقيقي في هذه الدنيا العابرة.
انطلق من هذه المقدمة إلى ما يعاني منه الكثير من الآباء والأمهات والأسر والعائلات من ظاهرة عزوف الأبناء والبنات، عن أداء الصلوات، أو تركها مرات ومرات، ولم تكن لهذه الظاهرة أن تنتشر وتستفحل لولا تقصير أرباب الأسر والأمهات في تنشئة الذرية على حب الصلاة وحسن أدائها، وعلى المحافظة عليها والاهتمام بشأنها. ولو يعلم القائمون على مؤسسة الأسرة ما سيحيق بهم وبأبنائهم من شرور وآثام بسبب هذا التقصير لأحسنوا التربية وأتقنوا التنشئة وجعلوا هذا الأمر مشروعهم المقدس منذ اليوم الأول للزواج.
مسؤولية كل أب وأم عن صلوات أبنائهم عظيمة وجسيمة، فهم أول المسؤولين عن ضياعها، بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأب راع في بيت أهله ومسؤول عن رعيته، والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها».
فأين ضاعت المسؤولية والأمانة في مجتمعنا المسلم بهذا الخصوص؟ وأين هي رحمة الأم ورأفة الأب إذا كان ديدن الأولاد التقطيع في الصلاة أو التكاسل عنها أو التهاون فيها؟ إن تقصير الآباء في أمرهم بالصلاة وحثهم عليها وتعظيمها في قلوبهم عندما كانوا في نعومة أظفارهم هو من أبشع الجرائم في حق الأولاد، فالصلاة إذا ألفها الإنسان صغيرا لم يضيعها كبيرا، وإذا نشأ على تضييعها صغيرا ضيعها كبيرا، ثم خسر دنياه وآخرته.
مما يحزن القلب أن نرى شبابا يافعين يمرون بالمسجد وكأنه بني لغيرهم، ويسمعون الأذان وكأنهم غير معنيين به، ومنهم من يظن أن أمامه عمرا طويلا، وأن الوقت ما زال مبكرا على الموت والرحيل، ولم تغرس فيه حقيقة أن الموت يصطاد الصغار والكبار لا يفرق بينهم.
هناك الكثير من الآباء والأمهات ممن يعانون الأمرين في دفع أبنائهم للصلاة بعد أن شبوا وكبروا، وجميعنا يرى أن معظم من ربى أولاده على الصلوات والأذكار منذ نعومة الأظفار، لم ولن يعاني بإذن الله عند بلوغهم من تهربهم منها وتساهلهم فيها، وهكذا نسمع كثيرا عن أب يأمر ابنه بالصلاة فيرد عليه: «إن شاء الله يبا» أو «أصلي بروحي» أو «أصلي مع ربعي» وقد يقوده الكسل والتهاون إلى الكذب في ذلك.
ولو أن الصلاة غرست في قلبه منذ السنوات الأولى من عمره لتعود عليها وصارت ديدنه وروتينه اليومي ولسرت في روحه كما يسري الدم في عروقه، ولم يتمكن الشيطان منه، أو يألف التهاون فيها مهما غرق في شواغل الحياة المتزايدة وملاهيها المتعاظمة.
في الختام: اغرسوا في أبنائكم جملة رائعة، واكتبوها على الجدران والحيطان أن «من ضيع صلاته ضيع حياته»، وتأكدوا أن من استهتر بصلاة أبنائه فقد ضيع دنياهم وآخرتهم، وما أشد هذا التحذير الذي نخاطب فيه جميعا نحن المسلمين: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).
كلمة أخيرة: أعجبتني غرسة تربوية من أحد الآباء في ابنه الصغير لما كان يقول له: «إذا ضعت روح المسجد.. وأنا ألاقيك عنده».. والولد حفظ هذه الجملة.. ولما كبر لم يتوقف أبوه عن تكرارها.. وعندها عرف الولد مغزى هذه الكلمة العظيمة.. فعندما يضيع المسلم في توافه الحياة وشواغلها يكون المسجد بيت الأمان وحضن السعادة وموطن النجاة وبوصلة التائهين.
[email protected]