نستأنف اليوم حديثنا الذي بدأناه في المقالة السابقة عن أعظم الأمور تعلقا بنا وبأولادنا، ونجاحنا وفلاحنا.. ومصيرنا ومآلنا، ألا وهي الصلاة، حتى أذكر بذلك نفسي والأقربين، وعموم إخواني المسلمين، وراجيا من الله عظيم أجر وحسن أثر.
وعودا على بدء، فإن المسؤولية في صلاة الأولاد منذ نعومة أظفارهم عظيمة وجسيمة، وقسمة مشتركة بين الأم والأب، أعظم بذلك من مشروع نافع وخير مثمر وبركة دائمة وفلاح محقق.
مشاهدات مؤسفة عندما تجتمع الأسرة على التلفاز أو تنشغل بالهاتف وينادي المؤذن، فلا يكترث الأب والأم والكبار وكأنهم مستثنون من نداء الفلاح، فيقتدي الصغار بهم وتنبت فيهم نبتة التهاون والتقاعس والتكاسل، فيمضون في حياتهم على ما نشؤوا عليه، ويصدق فيهم وفي آبائهم قول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن
يعلمه التدين أقربوه
فيا أيها الآباء والأمهات والأجداد والجدات أناشدكم الخوف على أبنائكم، فهم في نظركم اليوم رياحين الحياة وفلذات الأكباد وماء العيون، فكيف تتركونهم غدا لمصير مجهول في الدنيا والآخرة؟
بين يديكم يا أرباب الأسر الكثير مما يمكن أن تغرسوه في قلوب أبنائكم، رددوا لهم بين الحين والآخر أن الصلاة هي الفيصل بين السعادة والشقاوة، وبين الإسلام والكفر، وبين الخلود في النار والزحزحة عنها، انقلوا لهم أن عمر رضي الله عنه قال: «لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة»، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة، علموهم أن الرزق لن يزيد بتأخير الصلاة، وأن حياتهم لن تنقص إن تركوا ما بأيديهم وذهبوا للصلاة تظاهروا أمامهم بالخجل من الله إذا نادى المنادي للصلاة ونحن جالسون أو لاهون.
قولوا لهم إن الصلاة هي الحجة والنجاة، وهي نور القلوب وطمأنينة النفوس وزاد الأرواح، وهي الحصن الحصين وعماد الدين وملجأ المؤمنين، وبها فضلنا الله به على العالمين. أكدوا لهم أن الصلاة الصحيحة مهذبة للأخلاق وناهية عن الباطل، وأنها مفتاح لكل بركة وملجأ لكل محتاج، وإذا تعثر الواحد منهم قولوا له: إن الصلاة مغاث للملهوف، وأمان للخائف، وسند للضعيف، وهي الملاذ القوي لكل مستضعف ومظلوم، وليس من شيء أنفع لنا من أن نهرع إلى الصلاة فتطيب خواطرنا وتهدأ نفوسنا.
أدبوهم على حب الصلاة وعشقها، وألزموهم بالتزامها وضبط إيقاعها، علموهم أنها عماد الدين وقرة العين، وان تذوقها والخشوع فيها لذة الروح وسعادتها، واغرسوا فيهم أن المساجد هي مواطن صنع العظماء، واسبقوهم وحثوهم على نصب أقدامهم في مقدمة الصفوف، وتفقدوا رفاقهم فالمرء على دين خليله، وتارك الصلاة ينقل أمراضه لقرنائه دون أن يشعروا.
أيها الآباء والأمهات.. علموا صغاركم الفاتحة منذ نعومة أظفارهم، ستؤجرون على قراءتهم لها طيلة أعمارهم، فكم مرة سيصلون في حياتهم؟ وكيف إذا كانوا أكثر من ولد وبنت؟ وكم من الحسنات سيثقلون بها موازينكم؟ فكيف إذا جمعوا مع ذلك الدعاء لوالديهم؟
في الختام: من أخطر ما يجري على ألسنة بعض الكبار عندما يدعى الصغير للصلاة: «توه صغير» أو «بكره يكبر ويصلي» ولا يعلمون أن هذا السلوك ناكس للفطرة السليمة، وحارف عن الطريقة المستقيمة.
بعض الآباء الذين هم قدوة لأبنائهم، من الهاجرين للمساجد والجماعات يصلي أحدهم في بيته منفردا، ولا يعلم أن الأولى به أن يصلي بأهل بيته وأولاده جماعة بدل أن يصلي منفردا ويفرط بأقل شيء يمكن أن يغرسه في نفوس من يعولهم ويربيهم وهو تعليمهم الصلاة والوضوء ورؤيتهم له وهو يؤديهما.
بعض الأمهات المربيات من نشأت أولادها وبناتها على تأجيل الصلاة لآخر وقتها ثم «سلقها سلق البيض» وأدائها لله فارغة من خشوع وخالية من تدبر، ولم تعلم أنها غرست في أولادها أن الصلاة هي آخر اهتمامهم، وأن أداءها لمجرد سد خانة ورفع عتب.
كلمة أخيرة: الصلاة مقرونة بالفلاح، فكيف يفلح من لا يصلي؟ حياة سعيدة بلا صلاة أمر لا يمكن تخيله، فمن هجر الصلاة هجرت حياته الراحة والسعادة والخير والبركة.
قال أحدهم: ضاع قلبي فوجدته في الصلاة.. وحين اشتد وجعي وتصاعد ألمي لم أجد وصفة أشفي بها سقمي وأستعين بها على ألمي خير من الصبر والصلاة.
وللحديث بقية إن شاء الله.
[email protected]