اعتدت إذا ذهبت إلى المستوصف أن أترك التلفون في السيارة.
شعور غريب يعتريني وأنا أمشي دون وجود التلفون في يدي أو داخل جيبي كأنني تحررت من شيء مزعج «كان لازق مثل الصمغ» في جسمي. إحساس بثقل كبير اختفى من عالمي ولست مستنفرا كل حواسي له. عقلي يتساءل: ما سبب الطنين المفاجئ.. رسالة نصية أم واتساب أم إشعار من «x»؟ ويدي تذهب إليه تتحسسه «كل شوي» وتنظر لشاشته، كأننا أدمنّا ضجيجه وإزعاجه وأخباره السيئة التي يجلبها من الشرق والغرب، أو حتى الأخبار السخيفة التي لا تستحق أن يطلق عليها «أخبار»، لكن لا توجد عنده مشكلة سيحضرها لك.
قامت إدارة الإطفاء والإنقاذ في ولاية تينيسي الأميركية بإنقاذ قطة صغيرة صعدت لأعلى الشجرة ولم تستطع النزول! تصور.. انت استغرقت دقيقتين من حياتك المحدودة بسنوات قليلة في قراءة هذا الخبر الذي أرسله لك موقع «x»!
هذا مثال على حالة يطلق عليها في الغرب Over-informed، وتعني أنك حصلت على معلومات أكثر من حاجتك أو فائدتك. أخبار لن تغير أو تنقص من حياتك شيئا، فقط سيل هادر من الأخبار العابرة والتي أكثرها تافهة يحضرها لنا السيد التلفون النقال لدرجة أنه لو كان لمخك سعة معينة بالتأكيد هذه المعلومات الجديدة ستكون على حساب ذكريات ومعلومات قديمة اختزنها عقلك لكن طردتها المعلومات الجديدة لتحل محلها، وهنا دخلنا في أعراض ألزهايمر بعيد عنا وعنكم بإذن الله، وهذي المعلومة ليست مبالغة فالعديد من الأطباء يصرحون باندهاشهم لصغر سن الناس الذين بدأوا يشتكون من أعراض هذا المرض ولعل التلفون النقال كما قلت أحد أسبابها.
أمر آخر وغريب، أننا بدأنا نكره الهدوء والصمت والجلوس دقائق دون حديث أو البحث عن معلومة بسبب تعودنا على هذا التواصل المستمر مع العالم الخارجي عن طريق التلفون النقال، سواء احتجنا أو لم نحتج، خلاص نريد أحدا أو «جهازا» يعطينا صورة أو فيديو أو خبرا نقتل به الوقت، وهذا يفسر المنظر الغريب الذي تراه في ديوانية بها 50 شخصا كل واحد ماسك تلفونه ويبحث فيه، أو حتى شخص جالس على البحر وحده ترك هذا المنظر الجميل أمامه ورأسه نازل تحت ومركز على تلفونه النقال.
لدي تجـربة طريفة في استبدال الهاتف الذكي بجهاز هاتف نقال ما قبل «الهواتف الذكية» لمدة أسبوع، وقد فشلت في هذه التجربة لأن البنك ومكان عملي والدنيا كلها لم تساعدني على اجتيازه، فعدت إلى هاتفي الذكي معتذرا!
نقطة أخيرة: نحن في زمن الهاتف النقال، أصبح الصمت ضجيجا نكرهه.. أمر ووضع غريب يحتاج لبحث طبي وعلمي يخلّصنا من هذا الجهاز الغريب.
ghunaimalzu3by@