في شريعة المجتمعات المتقدمة، يظل تحقيق طفرة في معدلات الإنتاج هو المؤشر الوحيد الدال على الاستقرار، وهذا الانتعاش هو قرين مخططات مدروسة بعناية، ومنظومة تشغيل لا تجدي سوى العمل، حولنا كثير من البلدان أخذت بحظ وافر في طريق التميز، وهي في سبيل ذلك لا تتلكأ أن تدفع بكل ما يعزز هذه الروح، ويجعلها عقيدة يعتنقها أفرادها.
لقد كان العديد من المجتمعات في الشرق والغرب في رهان كبير مع الزمن، فلم تجد من بد إلا توجيه أفرادها نحو حقول العمل والإنتاج، ومن ثم خلق رأي عام يقدس السعي ويجله، وتلك مستلزمات النهضة وأفانينها.
لقد قطع العمل الخيري الكويتي شوطا كبيرا لاعتماد هذه المنهجية، وكانت مشاريعه ذات الصبغة التنموية في منتهى الوفاء، حين أخذت زمام المبادأة لترسيخ تلك المعاني في أذهان المنتفعين بها، فإذا اتفقنا مسبقا على أن هذه المشاريع وجدت لتفتح أبوابا للعون والمساندة، فمن باب أولى ألا يغفل عن تسويقها الممنهج لطرق أبواب العمل وتحصيل الكسب، فهذا هو المضمون، ويمكن الحصول على قراءة مستفيضة لهذه الجزئية عبر متابعة المشاريع الخيرية التي تشتمل على قيم «التنمية المستدامة» وبروز الجاهزية لجعلها بوصلة لتحديد المسار، ومن ذلك التحركات الطموحة لإنشاء «القرى الخيرية النموذجية» التي حققت ثمارها المرجوة، حيث تبشر قرى «الخيرين» في اليمن، وقرية «سلوى» في تشاد وغيرها، بمجتمعات عمرانية قائمة على أعمدة من العمل والإنتاج والتشغيل، تستثمر طاقات الإنسان في ظل الوفرة الكبيرة في الأيدي العاملة التي تحتاج فقط إلى الدعم، بجعل العمل إرادة للشعوب والتسويق لهذه الإيجابية، التي لامست آمال الملايين ممن احتضنتهم، بعد إذ نجحت في أن تنشئ لهم حياة جديدة أكثر إنتاجية، وذلك عبر نظرة استشرافية وإدارة غير منعزلة عن الواقع.
فاشتمال القرى في البلدان الفقيرة على محفزات التنمية يلقي بظلال كثيفة، للرغبة في تكوين ثقافة الإنتاج بين الفقراء وتمريرها، فهذه الآبار لزراعة الحاصلات والأشجار المثمرة، وحظائر الماشية ومزارع الدواجن والأسماك، وهذه المحال التجارية لدخل ثابت، والورش التي تعج بالحرفيين، تقلص أعداد العاطلين، وتنوع مصادر الدخل وتحقق حياة مستقرة.
لا يتأتى الاستقرار مطلقا دون وجود الدافع لممارسته، والتماس معه في منحنياته، فقد أثبتت التجربة أن المساعدات قصيرة الأجل لا تصنع مجتمعا مستقرا، بل هي نوع من الاستجداء حال استمرأت، وما من سبيل بغير الإقلاع عنها، والاصطفاف فورا في طوابير المنتجين، إن أردنا القضاء على بؤر الفقر والجوع حول العالم، ومداواة جسد الإنسانية المنهك بآلامه، والانطلاق نحو مستقبل مستقر.