البر اسم جامع للخير، أما العقوق فيعني إيذاء الولد لوالديه وعصيانهما والخروج عن طاعتهما، ولن يستطيع الأبناء مجازاة الوالدين على ما عملاه منذ نعومة أظفارهم حتى أصبحوا رجالا أو نساء يعتمدون على أنفسهم، ووجود الأب في حياة الطفل يعني الحماية والرعاية، والأب هو القدوة والسلطة والتكامل الأسري، فالأطفال جميعهم بحاجة إلى أن يشعروا بأن هناك حماية ورعاية وإرشادا وهو المسؤول عن رعايتهم، فالأب في نظر أبنائه هو البطل الذي يقلدونه في كل شيء، في حركاته وتصرفاته، لذا يجب على الآباء أن يبذلوا جهدا كبيرا في تربية أبنائهم ويشعروهم بمكانتهم ودورهم الرئيسي في حياته.
ومسؤولية حسن تربية الأبناء تقع على الأب والأم على حد سواء ودور الأب في تربية أبنائه لا يقل أهمية عن دور الأم، فالأم هي الأساس في حياة الطفل منذ الولادة والأم مهمة جدا في الانتماء التربوي للطفل رغم اختلافها والأب يحاول مساعدة أبنائه على حل مشاكلهم ومعرفة أصدقائهم ويكون لهم الصديق المخلص الموجود دائما حتى ولو كان غائبا وتكون أفكاره ومبادئه راسخه في أذهان الأطفال.
والأم حملتك في بطنها تسعة أشهر وعانت من الآلام الكثيرة، فإذا جاءها الوضع وجاءها المخاض شاهدت الموت، فتارة تنجو وتارة أخرى تموت، قال تعالى: (حملته أمه كرها ووضعته كرها)، ثم تقوم بإرضاعه حولين كاملين، قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه) ولم يقل سبحانه وتعالى العكس، لأن الوالدين لا يحتاجان إلى التوصية بأبنائهما، ولكن الأبناء هم من يحتاجون إلى هذه التوصية والعناية والمحافظة على سرور والديهما، قال تعالى (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)، فإذا وصل الوالدان أو أحدهما إلى الكبر وأصبحا ضعيفين وعاجزين وصارا عندك في آخر العمر، كما كنت عندهما في أوله، وجب عليك أن تشفق عليهما وتلطف بهما، فتعاملهما معاملة حسنة تقديرا لهما ولا تتأفف من شيء تشاهده منهما مما يتأذى به الناس ولكن لابد أن تصبر على ذلك كما صبرا عليك في صغرك.
وبر الوالدين ليس مقصورا على حياتهما فقط ولكن باستطاعة المسلم أن يبر والديه بعد موتهما كقضاء الدين عنهما والدعاء لهما وإنفاذ وصيتهما والصدقة وقضاء النذر والحج عنهما، وزيارة قبريهما وبر اصدقائهما.
ومن البر في حياتهما ألا ينادي الولد والده أو والدته باسميهما، وألا يجلس قبل أبيه أو أمه، وألا يدخل من الباب قبل أبيه وأمه، وألا يرفع صوته بحضرة أبيه وأمه، وألا يخطئهما بحديث، فالله لن يسامحنا على التفريط في حقوق والدينا ولن يمهلنا إلى يوم القيامة، فعقوق الوالدين يجعل عقوبة الله سبحانه وتعالى في الدنيا قبل الآخرة ويراها العاق قبل أن يموت.
وعن حفصة بنت سيرين أخت التابعي محمد بن سيرين قالت: كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تخشعا له فدخل رجل على محمد بن سيرين عند أمه فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئا!؟ فقالوا لا ولكنه هكذا إذا دخل عند امه.
كان علي بن الحسين رضي الله عنهما لا يأكل مع أمه في صحفة واحدة، وكان من أبر الناس بها فقيل له في ذلك فقال «أخاف أن تسبق يدي يدها إلى ما تسبق عيناها فأكون قد عققتها».
اللهم اغفر لنا ولوالدينا واجعل جزاءهما خير الجزاء، اللهم ارفع درجاتهما وأعل قدرهما وأسكنهما الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء، واجعلنا من البارين بوالدينا أحياء أو أمواتا.
اللهم آمين.
[email protected]