اختص الله الأمة المسلمة بخصائص ميزتها بين الأمم، تجلت ظاهرة في التكافل والرحمة، افسح فيها ما شاء سبحانه فجعل مواسم مباركة للعطاء، يلتمس البائس، ما يعينه على وعثاء الحياة ومطالب العيش، ويبعث فيه روح القوة، وبهذه المعاني الفاضلة بنى الإسلام معالم نهضته الحضارية، ورسم الطريق نحو الحياة في مثالية تتغلغل في صميم النسيج الاجتماعي، تزيل آلامه، وتقيل عثراته، تمد يدها لمن يتوجع تحت مطارق العوز، تقيه حوادث الدهر وتقلبات الأيام.
وفي رمضان تتفشى هذه الروح الخيرة، بفضل ائتلاف عناصر الأمة التي لا تقف مكتوفة الأيدي، حين تختلط عبرة بعبرة، ويخفق قلب لقلب، لتنساب الرحمة في الإنسان نورا وسكينة، فينادون بمبادئها، ويعملون على إذاعة فضائلها، وهذه عناية الإسلام التي مسحت على الأرض الجرداء، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.
إن عبقرية رمضان تكمن في تربيته القيمية التي مست المناطق المضيئة في نفس المسلم، ورطبت جفاف قلبه، ودفعته دفعا كي يجود ويعطي، ونفخت فيه أثرا من روح الجماعة، وفي هذا ولا شك انطلاق نحو تمكين عقلية إنسانية جديدة صالحة لنشر الخير والمحبة، تتيح للأفراد فرصة للمساهمة في تقديم صور العون، التي تجعل من المجتمع الإنساني جسدا واحدا، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهذا ما دفع المحسنين من أهل الكويت للإنفاق في شهر الخير، والإسهام ما استطاعوا في التخفيف عن كاهل فقراء المسلمين في الداخل والخارج.
لقد قدمت مؤسسات الكويت وهيئاتها الخيرية الكثير، وبذلت من روحها ما يأنس به المنقطع ويهنأ الضعيف، ويطمئن الخائف، ومدت موائد الخير عامرة في الداخل والخارج، يطوف بها الفقير والمحتاج طعمة وأمانا، ومثال ذلك التسابق الرمضاني لجمعية النجاة الخيرية عبر مبادرتها الرمضانية لتوزيع مليون وجبة إفطار، والسلال الغذائية على الصائمين في مختلف دول العالم، ما استوعب تفاصيل الشخصية الخيرية الكويتية، التي عرفت المواساة في كل خطب.
ومما يحمد للعمل الخيري الكويتي قدرته الفائقة على تسيير منجزه الخارجي، عبر جسور قوية من الشراكة الفاعلة، إذ لعبت وزارتا الخارجية والشؤون دورا مؤثرا، فاستطاع تذليل المصاعب التي تكتنف الطريق وتسعى بإخلاص لتصدير الدور الرسالي للعمل الإنساني الكويتي، يأتي رمضان فيتجدد نشاط الكويت، تعالج بتحركاتها بؤس الضعفاء، تصون معه كيان الأمة الاجتماعي من الضياع، وبهذا ترسل الكويت برسائل اطمئنان لملايين المحتاجين قبل رمضان، أن تمسكوا بأهداب الحياة، إن رمضان في حياتنا أداة للتغيير، يجب أن تستثمر لتعمق المشاعر الإيجابية، وتفسح المجال لإزالة رواسب النفس، وترتقي بها، وتنزع عنها صفة الأنانية، فيتنادى الناس في رحابه بالإخاء، ويشيع التكافل وتسعد الدنيا.