«السبيل» مفرد وجمعه أسبلة وسبل، وهو وقف سقي الماء لعابري السبيل والمارة رغبة في الأجر والثواب، وسقيا الماء من أعظم ما يثاب عليه المسلم، وكان المسلمون، ولا يزالون، يسارعون إلى سقيا الماء رغبة في الأجر، وأول سقيا ماء في تاريخ الإسلام بئر رومة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، اشتراه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه من ماله وجعله وقفا في سبيل الله. وعندنا في الكويت جبل الناس، بحمد الله، على الخلق الإسلامي الكريم منذ نشأتها، خاصة سقيا الماء، و«ابن دعيج» المشار إليه أشهر من نار على علم في هذا المضمار وله السبق في سقيا الماء، وهو عبدالعزيز بن محمد بن عبدالمحسن بن عبدالرحمن الدعيج، صاحب أول وأقدم سبيل ماء في تاريخ الكويت، يوم كان الماء شحيحا ونادرا ومشكلة كبيرة تؤرق الكويتيين.
وقد صور لنا هذه المعاناة عدد من شعراء الكويت، وكان أبرزهم فهد راشد بورسلي في قصيدته المشهورة «طاق طاق طق طرباق»، أما المحسن الكبير «ابن دعيج» فهو مولود عام 1840 في عهد ثالث أمراء الكويت الشيخ جابر الأول بن عبدالله الأول، وتوفي في عهد عاشر أمراء الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح عام 1936، وقد أسس هذا السبيل الذي ما زال قائما عام 1876 في عهد خامس أمراء الكويت الشيخ عبدالله الثاني بن صباح الثاني، ومعروف عن هذا الرجل الفاضل انه لا يرد سائلا، ودليل حبه للخير أنه وضع أمام منزلهم جرة ماء وعليها مغرفة ليسهم في إرواء ظمأ أهل محلته، وهو فتى يافع لم يكن يتجاوز عمره الثانية عشرة آنذاك، واستمر في فعل الخير حتى توفاه الله، وقد ذكر الشيخ عبدالله النوري وغيره قصة معبرة في هذا الخصوص تعود إلى عهد تاسع أمراء الكويت الشيخ سالم المبارك الصباح، فذكروا أنه جلس بعد صلاة الفجر في «كشك مبارك» كعادته ولم يكن في وقته ثمة مبان تحجب الرؤية من بعيد، ناهيك عن ارتفاع الكشك فيرى الشيخ سالم وهو جالس ما حوله والمقبل من بعيد، وبينما هو ينظر في الأفق وقد بدأت خيوط الفجر تظهر، إلا أن النور لم ينبلج بعد، فإذا بسوادة عظيمة مقبلة من بوابة الشامية، فلم يتبينها، وما إن اقتربت حتى تبين له أنها أربعين جملا تحمل على ظهورها قرب الماء وهي في طريقها إلى سبيل ابن دعيج لتملأه ماء، والسبيل قريب من الكشك، والجمال قادمة من آبار ابن دعيج في الشامية، فقال كلمته المشهورة بعد أن تبين له الأمر: الحمد لله الذي جعل في رعيتي مثل عبدالعزيز الدعيج.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فنحن في أيام مباركة تتضاعف فيها الحسنات، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، فلنسارع إلى أعمال الخير.. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهله.
ودمتم سالمين.