عندما نقول ريادة فنحن نعني التقدم والسبق، وقد نال ذلك عن جدارة ابن الكويت البار حمد عيسى جاسم الرجيب الذي ولد في منطقة «جبلة» عام 1922. هذا الرجل له همة تعانق السماء ونفس كبيرة تأبى سوى النجاح ولقد صدق المتنبي، حيث يقول:
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
فهو الوزير والسفير والمندوب الدائم للكويت لدى الجامعة العربية، وقبل هذه المرحلة كان الممثل والمخرج والملحن والمؤلف والموسيقى، حتى اصبح رائد الحركة المسرحية والموسيقية.
حمد الرجيب أيضا الأديب الأريب اللوذعي، والمربي الفاضل، كل ما ذكرت تضاف إليه ريادة الرعاية الاجتماعية، لذلك أقول إن مثل هذه الشخصية الفريدة من نوعها لا يمكن أن تظهر إلا في كل قرن مرة واحدة، ولا تتكرر بالقرن نفسه، فقد كان علامة فارقة في تاريخ الكويت وصورة لا تتكرر. وبالنسبة لأسرته الكريمة الرجيب فأصل التسمية «الرقيب»، وبلهجتنا الكويتية نقلب القاف الى «جيم».
هذا الرجل خدم وطنه الكويت في مجالات كثيرة بكل أمانة وتفان وإخلاص، فقد عاش الكويت ومات من اجلها، فسجل لنفسه السبق والريادة في مجالات عدة، وقلما تجتمع هذه الصفات بشخص إلا صار مبدعا، والرجيب شخص استثنائي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
لقد مثل بلاده في سفارات عدة خير تمثيل قبل أن يصبح وزيرا، وقام بهذه المهمة على أكمل وجه، وكانت للموسيقى والفنون الشعبية نصيب الأسد في مسيرة عطائه الناجحة وربما لا يعلم كثير من الناس انه صاحب اللحن الكويتي الخالد «البوشية»، وهو من أسس مركز الفنون الشعبية لحفظ التراث، وجمع ووثق فيه كل الأعمال التراثية، وأسس دائرة الشؤون وأصبح مديرا لها، وهو الذي وضع نواة المعهد العالي للفنون المسرحية عندما أسس مركز الدراسات المسرحية، وسعى في هذا الأمر سعيا حثيثا فسافر إلى القاهرة واجتمع مع عميد المسرح العربي زكي طليمات وطلب منه الحضور إلى الكويت، ووافق وحضر إلى الكويت لتأسيس المسرح الكويتي على أصوله وتدريب المواهب الفنية الكويتية، فكان له ما أراد، ثم بدأ بالإعداد لإنشاء معهد الموسيقى قبل أن يصبح المعهد العالي للموسيقى وحقق ما أراد.
كل هذه الإنجازات الكبيرة وغيرها يضاف إليها نجاحه المنقطع النظير في مسيرته الديبلوماسية، حيث مثل وطنه خير تمثيل كسفير في القاهرة ثم المغرب، بالإضافة إلى تعيينه مندوبا دائما للكويت في جامعة الدول العربية، ثم عاد إلى وطنه فوقع الاختيار عليه ليكون وزيرا للإسكان، ثم وزيرا للإسكان ووزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل، ثم ترجل الفارس عن صهوة جواده وأتحفنا بكتابه «مسافر في شرايين الوطن»، وكأن لسان حاله يردد قول عمرو بن الأطنابة الخزرجي:
أبت لي عفتي وأبى بلائي
وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي
وفي العاشر من مايو عام 1998 توفي حمد عيسى الرجيب عن 76 عاما، رحمه الله تعالى.
ودمتم سالمين.