خلال سنوات اختبر علي البالغ 12 عاما فقط مصاعب لا يفترض بطفل أن يعيشها. وقد أمضى نصف حياته حتى الآن في مخيم، حيث يحتجز أفراد عائلات مقاتلي تنظيم «داعش» في شمال شرق سورية.
بعد خمس سنوات على إعلان القضاء على التنظيم المتطرف لايزال آلاف النساء والأطفال من أفراد عائلات مقاتليه وسواهم من النازحين الذين كانوا فروا من معارك النزاع السوري عالقين في دوامة من العنف والحرمان خلف سياج وأبراج مراقبة تزنر مخيم الهول.
في المخيم المترامي الأطراف على مساحة واسعة قرب الحدود العراقية، يقبع أكثر من 40 ألف شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، معزولين عن الحياة في الخارج. أما في داخله فبؤس وفقر وغضب وجرائم وسلاح وخلايا.
يعيش الأطفال من عشرات الجنسيات اليوم وجزء كبير منهم لم يعرف سوى سياج مخيم الهول في المجهول من دون أي أفق للمستقبل. قلة منهم يتلقون تعليما، وكثر لم يروا تلفازا قط ويحلمون فقط بتناول مثلجات، ويسألون أمهاتهن عما إذا كانت الخيم خارج المخيم أفضل من تلك التي يعيشون فيها داخله.
وتتحدث الأمهات عن مداهمات تنفذها القوات الكردية التي تهيمن على قوات سوريا الديموقراطية «قسد» لأخذ أطفال تفوق أعمارهم الـ 11 عاما إلى مراكز تأهيل، فيما اعتبرته خبيرة في الأمم المتحدة بمثابة «انتهاك» لحقوق الإنسان، فيما تؤكد السلطات الكردية أن هدفها حماية الأطفال من الأفكار المتطرفة في مخيم لايزال للتنظيم فيه حضور لا يمكن إغفاله.
أما علي، الطفل العراقي الذي لا تفارق الابتسامة وجهه، فجل ما يطلبه كرة قدم ليلهو بها مع أصدقائه.
في المخيم يتفق الجميع، من سكان ومسلحين أكراد وعاملين إنسانيين، على أن الأطفال هم أكثر من يعاني وأكثر من يتعرض للظلم.
وتقول كاثرين أكيليس من منظمة «أنقذوا الأطفال» (سايف ذي تشيلدرن) «لقد عانوا من الحرمان الشديد ومن القصف، وها هم الآن يقبعون في المخيم منذ قرابة خمس سنوات. إنهم بحاجة إلى المزيد».
وتضيف «الهول مكان خانق للأطفال».
تقول عاملة في المجال الإنساني في المخيم لوكالة فرانس برس من دون الكشف عن هويتها، «الحياة هنا ليست حياة ملائمة لطفل (...) هو يدفع ثمن شيء لم يرتكبه أو يختاره».
بعد مرور خمس سنوات لاتزال دول قدم منها مسلحو التنظيم تتردد في استعادة أفراد عائلات المقاتلين، ملقية بحكم الأمر الواقع بمسؤولية رعايتهم على المقاتلين الأكراد الذين شكلوا لسنوات رأس حربة في قتال التنظيم المتطرف.
ولم يعد هناك خيار أمام هؤلاء سوى تحسين ظروف مخيم الهول تدريجيا من خلال بنية تحتية أفضل لتستوعب، على المدى الطويل، الآلاف من الأشخاص غير المرغوب بهم في أي مكان آخر.
ويصف القائد العام لقسد مظلوم عبدي مخيم الهول بـ «العبء الكبير والقنبلة الموقوتة القادرة على الانفجار في أي لحظة».
وأجرت وكالة فرانس برس مقابلات مع عدد من قاطني المخيم والعاملين في المجال الإنساني والقوى الأمنية وموظفي الإدارة الكردية التي تشرف على المنطقة، في محاولة لرسم صورة أوضح عن هذا «الثقب الأسود» الممول والمدعوم من دول غربية. وقد فضلت الغالبية منهم عدم الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية.
تشكل النساء والأطفال الجزء الأكبر من المحتجزين داخل المخيم. لكنه يؤوي أيضا حوالي ثلاثة آلاف رجل في الجزء الأكبر والمخصص للعراقيين والسوريين، بينهم نازحون ولاجئون، ومنهم من تلاحقه شبهات بالعمل لصالح التنظيم المتطرف.
خلال السنوات الخمس الماضية ارتفعت نسبة أعمال العنف داخل المخيم، من سرقات وجرائم وعمليات خطف وغيرها، حتى بات حراسه يتفادون التجول بين الخيم ليلا، إلا عند إجراء مداهمات.
ويتشارك المقيمون في المخيم، المطابخ والحمامات المتهالكة وغير الكافية.
ويتجول الأطفال في طرق ترابية، ويشعر كثيرون منهم بالملل والإحباط. قلة منهم التحقت ببرامج تعليمية مؤقتة ومحدودة، لكن الغالبية لا ترتاد المدارس الصغيرة التي أنشأتها المنظمات الإنسانية. وبدأ كثر منهم العمل باكرا، في التنظيف أو نقل البضائع والمياه أو إصلاح الخيم.
وتتساءل إحدى المحتجزات (39 عاما) «كيف لأطفالنا أن يحلموا من دون أن يروا العالم في الخارج؟».
والأم لخمسة أطفال هي واحدة من بين 6612 امرأة وطفلا يتحدرون من أكثر من 45 دولة، بينها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا وتونس والجزائر، يقبعون جميعهم في قسم مخصص للأجانب ومعزول عن الجزء الأكبر من المخيم، حيث يقطن السوريون والعراقيون.
بعد مقتل زوجها في شرق سورية فرت المرأة من آخر معاقل التنظيم عام 2019 لتجد نفسها في مخيم الهول، حيث أنجبت أصغر أطفالها بعد أشهر قليلة من وصولها.
وتقول المحتجزة التي ارتدت عباءة سوداء وغطت وجهها بنقاب لا يظهر إلا عينيها، «ذقنا المر، رعب وخوف والأسوأ أن ثمة أخبارا عن أننا سنبقى هنا».