اختارت الهيئة الدولية للمسرح ITI، الكاتب المسرحي النرويجي الفائز بجائزة نوبل للآداب يون فوسه، لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح الـ 63، الموافق 27 مارس من كل عام.
حيث كانت بداية فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح سنة 1961 أثناء المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح في مدينة فيينا وذلك باقتراح من رئيس المعهد آنذاك.
جاءت الرسالة بعنوان «الفن هو السلام» وترجمها للعربية المخرج المسرحي التونسي أنوار الشعافي وهذا نصها:
«كل واحد منا فريد من نوعه، ولكن في نفس الوقت نحن نتشابه. نختلف عن بعضنا البعض في مظهرنا الخارجي المرئي. بالطبع، كل هذا حسن جدا، ولكن هناك أيضا شيئا داخل كل واحد منا ما يمتلكه وحده، قد نسميه أرواحنا أو نفوسنا. وإلا فيمكننا أن نقرر عدم تسميتها على الإطلاق والتعبير عنها في كلمات، فقط نتركها وشأنها.
لكن بينما نحن جميعا مختلفون عن بعضنا البعض، فنحن متشابهون أيضا. البشر من كل جزء من هذا العالم متشابهون بشكل أساسي، بغض النظر عن اللغة التي يتحدثون بها، وألوان بشراتهم، أو حتى لون شعر رؤوسهم.
قد يكون هذا شيئا من المفارقة: أننا متشابهون تماما ومختلفون تماما في نفس الوقت. ربما يكون الشخص متناقضا في جوهره، في الجسر بين الجسد والروح - نحن كبشر نحتوي الوجود الملموس، الأرضي، ونحتوي ما يتجاوز كل هذه المواد الملموسة، ويتجاوز الحدود الأرضية.
الفن، والفن الجليل بالتحديد، يتمكن بطريقته الرائعة من الجمع بين الفريد والخاص في جانب والعالمي في جانب آخر. يتيح لنا أن نفهم ما هو مختلف، وما هو دخيل، والذي يقال عنه أنه عالمي. بالخصوصية والفرادة، يخترق الفن الحدود بين اللغات والحدود الجغرافية. إنه يجمع ليس فقط الصفات الفردية للجميع، ولكن أيضا، وبمعنى آخر، الخصائص الفردية لكل مجموعة من الناس، مثل الأمم.
الفن لا يفعل هذا عن طريق تسوية الاختلافات وجعل كل شيء يتشابه، ولكن، على العكس من ذلك، بإظهار ما هو مختلف عنا، ما هو دخيل وغريب عنا. كل الفن الجليل يحتوي على وجه التحديد شيء غريب، شيء لا يمكننا فهمه تماما ومع ذلك وفي الوقت نفسه نفهمه، بطريقة ما. يحتوي على أحجية، إذا جاز التعبير. شيء يسحرنا وبالتالي يدفعنا إلى ما هو أبعد من حدودنا وبذلك يخلق السمو الذي يجب على كل أشكال الفنون أن تمتلكه، وتقودنا إليه.
لا أعرف طريقة أفضل لجمع الأضداد معا. وهو عكس الصراع العنيف، الذي كثيرا ما نراه يتكشف في الغواية المدمرة التي تنزع إلى تدمير الغريب، والآخر المختلف، غالبا باستخدام وحشية الابتكارات التكنولوجية التي وضعت تحت تصرفنا. في هذا العالم، هناك إرهاب، هناك حروب. فللإنسان جانب حيواني أيضا، مدفوع بغريزة التعامل مع الآخر، الغريب، كتهديد لوجوده بدلا من كونه أحجية ساحرة.
هذه هي الطريقة التي يختفي بها التفرد - الاختلافات التي يمكننا جميعا رؤيتها - لصالح التشابه، حيث إن أي شيء مختلف هو تهديد لابد من القضاء عليه. وما يمكن رؤيته خارجيا من اختلافات، مثلا بين الأديان أو الأيديولوجيات السياسية المتباينة، يصبح شيئا يجب محاربته وهزيمته. الحرب هي صراع ضد ما هو أعمق، ضد فرادتنا. هو معركة ضد كل فن، ضد ما هو أعمق في كل الفن.
لقد اخترت أن أتحدث عن الفن بعمومه، وليس عن فن المسرح والكتابة المسرحية بشكل خاص، ولكن هذا لأنه، كما قلت، كل الفن الجليل، في أعماقي، يدور حول نفس الشيء: حول الحصول على ما هو فريد تماما، المحدد تماما، ليصبح عالميا. فهو يجمع بين الفريد والعالمي في التعبير عنه فنيا، وليس القضاء على خصوصيته، بل التأكيد على هذه الخصوصية، وترك ما هو غريب وغير مألوف يتألق بوضوح. الحرب والفن متضادان، تماما كما أن الحرب والسلام متضادان - الأمر بهذه البساطة.. الفن هو السلام.