قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن التباين بين آفاق نمو الاقتصادات المختلفة على مستوى العالم اتسع خلال الأشهر الأخيرة، إذ شهدت الولايات المتحدة نموا قويا وأثبتت مرونتها وقدرتها على التكيف مع ارتفاع الفائدة السائدة في الوقت الحالي، إلا أن الأوضاع الاقتصادية ما زالت أكثر ضعفا على مستوى الدول الأوروبية.
فبالإضافة إلى ارتفاع الفائدة، تم اتباع سياسات مالية عامة أكثر تقييدا، إلى جانب قلة التعرض لقطاع التكنولوجيا المزدهر وتأثرها بتباطؤ وتيرة التجارة العالمية، الأمر الذي أثر سلبا على النشاط الاقتصادي، وفي خطوة تاريخية، قام بنك اليابان بتشديد سياسته النقدية في رأي مفاده أن التضخم يتجه أخيرا بشكل مستدام إلى مستوى 2%، رغم استمرار ضعف النشاط المحلي. وفي مناطق أخرى من آسيا، استهل الاقتصاد الصيني الربع الأول من العام الحالي بأداء جيد، وإن كانت المسائل الهيكلية التي تفاقمت بسبب تعثر قطاع العقارات ما زالت تثير عددا من التساؤلات حول قوة ومتانة هذا الانتعاش.
اقتصاد قوي
وأشار تقرير «الوطني» إلى أن الاقتصاد الأميركي، بدعم قوي من سوق العمل ومرونة الإنفاق الاستهلاكي، نجح في تحدي للتوقعات التي أشارت لإمكانية تباطؤه، إذ نما بنسبة قوية بلغت 3.2% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2023 مقابل توقع ارتفاعه بنسبة 2%. ورغم تراجعه من +4.9% في الربع الثالث من العام الماضي، يبدو أنه لا توجد مؤشرات قوية تدل على انكماشه، وبقي نمو الإنفاق الاستهلاكي دون تغير يذكر (+3% على أساس سنوي)، في حين ارتفع الاستثمار السكني للربع الثاني على التوالي، كما زادت الاستثمارات التجارية.
ورغم ذلك، كانت المؤشرات الاقتصادية في الربع الأول من العام الحالي (حتى الآن) مخيبة للآمال نسبيا، مع انتعاش مبيعات التجزئة (+0.6% على أساس شهري) والإنتاج الصناعي (+0.1% على أساس شهري) في فبراير بعد التراجع الشديد الذي شهدناه في يناير، كما أن معنويات المستهلكين ما زالت سلبية لحد كبير.
وبالتالي فمن المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي لما بين 1.5% و2% في الربع الأول من العام الحالي، ليقترب من معدلاته الاعتيادية. كما ساهم سوق العمل في تعزيز الزخم الاقتصادي، وذلك رغم صدور بعض البيانات المتباينة في فبراير، إذ نمت الوظائف بوتيرة قوية (+275 ألف فرصة عمل) في الوقت الذي شهدت بيانات الشهرين السابقين مراجعات هبوطية شديدة.
من جهة أخرى، تباطأت وتيرة التضخم، في ظل تراجع معدل التضخم الأساسي إلى 3.8% على أساس سنوي في فبراير الماضي. ورغم ابتعاد هذا المعدل عن مستويات الذروة التي بلغت 6.6% في سبتمبر 2022، إلا أن التقدم المحرز في مكافحة التضخم فقد زخمه، إذ إن المعدل الأساسي تحسن هامشيا من 4% المسجلة في أكتوبر. ومع وصول سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفيدرالية في الوقت الحالي لنطاق 5.25%-5.5%، أصبحت أسعار الفائدة الحقيقية في المنطقة الإيجابية (والمقيدة)، ما قد ينطوي على أخطار التعرض لانكماش حاد إذا بقيت أسعار الفائدة شديدة الارتفاع لفترة أطول مما ينبغي.
أوروبا عالقة بالنمو الضعيف
وأشار تقرير «الوطني» إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو لم يشهد في الربع الرابع من عام 2023 تغيرا يذكر بعد انخفاضه بنسبة 0.1% على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من العام الماضي. وقد يصل النمو إلى 0.8% هذا العام وفقا لتوقعات المفوضية الأوروبية، بعد تسجيل ارتفاع بنسبة 0.5% في عام 2023 ـ رغم أن تلك التوقعات ما زالت أقل من سابقتها البالغة 1.2%. وقد تشهد فرنسا وألمانيا وإيطاليا نموا أبطأ، في حين قد تتمكن دول أخرى كاليونان وإسبانيا من تحقيق نتائج أفضل.
وهناك عدد من العوامل التي من شأنها تعزيز النمو بما في ذلك تراجع التضخم، وارتفاع الأجور الحقيقية، وخفض البنك المركزي الأوروبي لسعر الفائدة، إلا أن مؤشر مديري المشتريات المركب بقي خلال شهر فبراير الماضي في حالة انكماش للشهر التاسع على التوالي، إذ وصلت قراءته إلى 47.2 نقطة، ما يشير إلى أن ظروف العمل لا تزال ضعيفة.
كما انخفض معدل التضخم إلى 2.6% على أساس سنوي (من 2.8% في يناير)، مع وصول المعدل الأساسي إلى 3.1% مقابل 3.3% في الشهر السابق.
وارتفعت الأجور بنسبة 5.6% في الربع الثالث من العام الماضي، لكنها قد تبدأ في التراجع مع انخفاض التضخم نحو المستوى المستهدف الذي حدده البنك المركزي الأوروبي بنسبة 2% في عام 2025.
ونظرا لضعف معدلات النمو والتضخم في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة، فقد يتجه البنك المركزي الأوروبي الآن لخفض أسعار الفائدة في وقت مبكر (وبوتيرة أكثر حدة) مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي، في موعد لا يتجاوز اجتماع البنك في يونيو المقبل.
اليابان تنجو من الركود
وفي اليابان، قال تقرير بنك الكويت الوطني إنه تم تعديل الناتج المحلي الإجمالي لليابان للربع الرابع من عام 2023 ورفع معدل النمو إلى +0.1% على أساس ربع سنوي مقابل -0.1% على أساس ربع سنوي في التقدير السابق، بعد انخفاضه بنسبة 0.8% في الربع الثالث من العام الماضي، ما ساعد البلاد على تجنب الركود التقني.
ويعزى ذلك لرفع تقديرات الاستثمار الخاص على الرغم من الانخفاض الحاد للاستهلاك الخاص، فيما ساهم الميزان التجاري الإيجابي جزئيا في تعويض ضعف النشاط المحلي، إذ أصبحت السلع اليابانية أكثر قدرة على المنافسة في ظل ضعف الين الياباني.
ومن المتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي في الربع الحالي، إذ تشير المؤشرات الرئيسية، بما في ذلك مؤشر مديري المشتريات، لاستمرار انكماش قطاع التصنيع، وضعف استهلاك الأسر المعيشية، وارتفاع مبيعات التجزئة بمعدلات متواضعة، إلا أن توسع نشاط قطاع الخدمات في فبراير، وقوة الصادرات، وتراجع واردات الطاقة قد يسهم في توفير بعض الدعم.
انتعاش الاقتصاد الصيني
وذكر التقرير أن نمو الاقتصاد الصيني تجاوز المستوى المستهدف الذي حددته الحكومة بنسبة 5% في 2023، وتسارعت وتيرته إلى 5.2% على أساس سنوي، بدعم من تأثير قاعدة الأساس نتيجة لعمليات الإغلاق في ظل اتباع سياسة «صفر كوفيد» العام السابق، إلا أنه باستثناء فترة الجائحة 2020-2022، ويعتبر هذا النمو من أدنى المستويات المسجلة منذ عقود عدة.
ورسمت المؤشرات الاقتصادية الأخيرة صورة أكثر إيجابية، إذ كانت بيانات التجارة مفاجئة بتسجيل الصادرات لنمو بنسبة 7.1% على أساس سنوي خلال شهري يناير وفبراير (في المتوسط) بينما ارتفعت الواردات بنسبة 3.5% على أساس سنوي، ما يشير لتحسن الاستهلاك المحلي هامشيا.
كما كان الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة أعلى من التوقعات، إذ ارتفعت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.7% على أساس سنوي في فبراير بعد أربعة أشهر من الانكماش، رغم أن تلك النتائج قد تكون تأثرت بعطلة رأس السنة القمرية الجديدة في فبراير مقارنة بشهر يناير من العام السابق.