عبدالحميد الخطيب
في المسلسل الدرامي «ملفات منسية»، يتم رسم عالم من التشويق والغموض الذي عادة ما يجذب المشاهدين، حيث تدور أحداث العمل على خلفية قصص حقيقية مستوحاة من جرائم اختطاف الفتيات التي وقعت في الكويت خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات، وتأخذنا القصة في رحلة مليئة بالأحداث المتشابكة مع تسليط الضوء على دور رجال الشرطة في حل لغز حوادث الاختفاء في ظروف غامضة.
يبدأ المسلسل بخطف طفلة صغيرة وهي عائدة من المدرسة دون أن يترك الخاطف اي أثر يدل عليه، ثم يتم تكرار الامر مع طفلة ثانية، ويتصاعد التوتر والذعر بين سكان احدى العمارات مع توالي عمليات الخطف، فتنتشر الشكوك والاتهامات بين الآباء والامهات المذهولين مما يحدث مع صغارهم، في هذه الأثناء تتولى المحققة مريم (شجون الهاجري) التحقيق في القضية، وهي شابة عنيدة تصمم على كشف المجرم.
ولأن كل لحظة حاسمة في هذه القضية، تسابق «مريم» وفريقها من رجال الشرطة الزمن لتجميع القرائن وتعقب الخاطف، فتتتبع الخيوط المتاحة امامها، وتقرر الدخول إلى العمارة والعيش بين سكانها، حيث توهمهم انها فاقدة للذاكرة، وهنا نتعرف على قصص هؤلاء السكان، ومنهم كمال (عبدالله بوشهري) الشاب الذي يسيطر بقوته على المكان، ويعاني من زواجه من ابنته عمه سعدية (غيد)، ونجد فتحية (مرام البلوشي) وصديقتها شوقية (أبرار أبو سيف)، اللتين تعملان على الايقاع بالضحايا والحصول على اموالهم عن طريق الدجل والشعوذة، وفي الوقت نفسه تخفيان سرا اسفل ارضية شقتهما.
وخلال الأحداث تظهر رؤى (شيماء سيف)، مدربة الرقص، والتي تتعرض لسرقة مبلغ ضخم منها دون ان تعرف من قام بذلك، في الوقت الذي يشكك ابن زوجها إسماعيل (محمد المنصوري) في صدقها، متسائلا عن مصدر اموالها، تاركا الباب مفتوحا لتكون «رؤى» ضمن المشتبه بهم.
ومع تطورات القصة يكتشف سكان العمارة سر «مريم» وانها تعمل كمحققة في جهاز المباحث الجنائية، دون ان يخبروها بذلك، ويخدعها «كمال» بأن يعرض عليها الزواج، فتوافق في سبيل اتمام مهمتها، في الوقت الذي يتم فيه خطف ابنتها الصغيرة التي تركتها مع والدتها، فيحاول رجال الشرطة الذين يعملون معها اخراجها من هذا المأزق.
يقدم المؤلف محمد النشمي من خلال نص المسلسل أجواء غامضة مليئة بالأسرار جعلتنا نعيش في حالة من الترقب الدائم منذ الحلقة الاولى حتى الآن، فالمحتوى الدرامي منطقي ومكتوب بإحكام شديد، وحافل بالتشويق، يعبر عن قضية واقعية شائكة يتم تناولها لأول مرة.
ابتعد المخرج مناف عبدال هذه المرة عن الاعمال التراثية والاجتماعية التي برع فيها، ليمتعنا برؤية جديدة ومختلفة، مستخدما كادرات تصوير احترافية، وتكوين اضاءة، يبرزان في كل مشهد أجواء الغموض الذي تسيطر على الأحداث.
علاوة على ذلك، ينجح الممثلون في تجسيد شخصياتهم بشكل مؤثر وقوي، فشجون تقدم دور «مريم» بحرفية، وتشكل ثنائية رائعة مع عبدالله بوشهري الذي يلعب شخصية «كمال» بإتقان وتمكن، مرورا بالأداء المتميز لمرام في دور «فتحية» وشيماء سيف التي تجسد «رؤى» وحسن عبدال في شخصية «ماجد» ومحمد هاشم بدور «عبود» وغيد التي تؤكد موهبتها في شخصية «سعدية»، ايضا غرور بدور «صديقة»، وأبرار أبو سيف التي تجسد «شوقيه» ببراعة، وكذلك محمد المنصوري في دور «اسماعيل»، بالإضافة إلى الفنانون اسماعيل الراشد وخالد المفيدي ويوسف المطر وطارق الحارثي وأريج العطار وحسن المطوع وعبدالله البلوشي ومهدي كرم ومحمد الاستاذ، والذين يجيدوا تقديم شخصياتهم بعناية وتميز.
بشكل عام، مسلسل «ملفات منسية» عمل استثنائي في كل عناصره الفنية، واستطاع ان يجذب الاهتمام وسط منافسات دراما رمضان، لاسيما انه ينتمي إلى فئة الجريمة والغموض الاكثر متابعة بين المشاهدين، وتميز بنص قوي متعدد الخطوط الدرامية، واخراج رائع أبرز جمالية الصورة، وبأداء تمثيلي عالي المستوى عكس الجوانب النفسية والاجتماعية لهذه القضية المهمة.