بيروت - ناجي شربل
يمضي سعيد المسجل قيد نفوسه في حي المسلخ في منطقة الكرنتينا بالمدور في الأشرفية بيروت، يومياته في ألمانيا متنقلا بين كولن وآخن ومدن مجاورة.
سعيد لبناني ينتمي إلى «عرب المسلخ»، لكنه لا يعرف الكرنتينا إلا في الانتخابات (النيابية والبلدية)، حيث تتم دعوته من قبل «ماكينات المرشحين»، للظفر بصوته مع أفراد العائلة، وبعدها كان يعود إلى مقر إقامته في بلدة السعديات في ساحل إقليم الخروب بمنطقة الشوف، والتي لجأت اليها عشائر عرب المسلخ، اثر «مجزرة الكرنتينا» في الحرب الأهلية اللبنانية.
عمل الشاب الذي لم يصل إلى العقد الرابع بعد، ساعيا ودراجا في مؤسسات لبنانية عدة. واستهل مسيرته بوراثة مقعد والده الراحل في مؤسسة كبرى ضمته إلى عائلتها، بعد مبادرة القيمين عليها إلى تقديم واجب العزاء إلى أسرة الموظف (والده) الذي أمضى في صفوفها أربعة عقود ونصف العقد.
لم يكمل الشاب تعليمه، بل بادر إلى الزواج باكرا ورزق بطفلة بلغت الآن مرحلة التعليم الجامعي في بيروت.
قرر وبعد تعثر مؤسسة مصرفية عمل فيها أخيرا، طرق باب الهجرة الشرعية جوا إلى ألمانيا، وليس عبور البحر عبر «مراكب الموت» إلى أوروبا.
حصل على تأشيرة زيارة لدول الاتحاد الأوروبي «شينغن»، وبادر فور وصوله إلى ألمانيا بطلب اللجوء السياسي.
كل ما حصل عليه حتى الآن من السلطات الألمانية، تأمين سرير للنوم في مخيم للاجئين، إلى مصاريف نقدية قليلة باليورو لتأمين قوته. ولا يخفي انه يقوم ببعض الأعمال التي يتقنها، والتي يؤمنها له أقارب من أبناء بلدته والجوار هناك. كما حصل على بطاقة للتنقل مجانا في المترو، وهو يتجاوز مرات النطاق الجغرافي المحدد له، مدركا ان أحدا لن يقول له شيئا.
ينتظر ما تبقى من الفترة المخصصة للبت بطلب لجوئه، وعندها ينتقل إلى منزل ويحصل على عمل. ويفتش عما يستطيع القيام به من أعمال، في بلد لابد من إتقان لغته لتسهيل تدبير الأمور.
في باله استدعاء زوجته وابنته لجمع الشمل من جديد. وهو استهل «مشواره الأوروبي» بالبكاء على والدته التي توفيت بعد رحيله، ولم يتمكن تاليا من المشاركة في مراسم دفنها وتقبل العزاء إلى جانب أفراد أسرته.
لم يدفع سعيد أموالا لتسهيل رحيله من بلده الأم. بل أفاد من فرصة نيله تأشيرة سياحية قانونية، وقرر المباشرة بمعاملات اللجوء عل وعسى يصل إلى مستقبل أفضل.
المفارقة أن سعيد ينتظر ترياقا من ألمانيا يضمن به حياة كريمة. هو الذي لم يشجع يوما في كرة القدم الا «منتخب السامبا» البرازيلي، ولطالما ارتدى قميصه الأصفر في مباريات كروية على الملاعب الترابية في بلدته، وشارك في «تزريك» للخصوم، وتحمل الكثير جراء عدم فوز البرازيل بالمونديال منذ 2002.
بعد نيله جواز السفر الألماني، هل يجوز له الا يشجع «الناسيونال مانشافت»؟.