صان الإسلام للمتعففين من الفقراء كرامتهم، ورعى آدميتهم، حين فرض لهم من مصارف الزكاة ومخارج الصدقات وطيبات الأموال ما يكفيهم، ويحفظ عليهم مقومات الحياة وضروراتها، وينفض عنهم غبار العوز، وتلك من الركائز الرئيسة التي بنى عليها الإسلام منهجه، وعزز دوره الرسالي الذي وجه دفة المجتمع الإنساني نحو الرحمة والرأفة والتكافل وتفقد المعسرين أهل الحاجة.
وتلك أدبيات قل أن تجدها في غير البيئة المسلمة، فكم في الناس من فقير محتاج، وكم فيهم من يتيم محروم، وأرملة تعول، وكم فيهم من عاجز أقعده مرضه عن الكسب أوكله للبطالة، فكان لزاما على القادر أن يسعى لهؤلاء، ينبش الأرض عنهم، ويزيح عن صدورهم كآبة الفاقة، ويكفيهم ذل السؤال وهوان المسغبة.
ولعمري، فهذه أوجب الواجبات التي تعيد التوازن للنفوس، وتقطع الطريق أمام حزازات القلوب، ولما كان الفقر من الأمراض الاجتماعية العضال، والأوبئة المستعصية التي تستلزم تكاتف الجهود لمواجهتها، لتجفيف منابعها، والحد من تغولها بين طبقات المجتمع، ومساعدة الناس كي يتعافوا منها، من هنا نبتت الأفكار التي تعنى بمساعدة المحتاجين، ومنحهم فرصة لرؤية الجوانب المضيئة في الحياة، فلم تكن فرصة مساعدة الأسر المتعففة إلا وسيلة لسد الفجوات في جدار المجتمع، وإعطائه القوة والحصانة التي تجنبه مخاطر التصدع ومن ثم الانهيار، نعرف صراحة بأن هناك من حولنا من يستحق الدعم، لكن تعففه يمنعه عن التصريح بعوزه، إذن فهذه الفئة تحديدا هي الأولى بأن ينشط لها أهل الخير ويعملوا لكفايتهم مؤونة العيش.
وللأمانة فإن العمل الخيري الكويتي وعن طريق مؤسساته يقوم بهذا الدور منذ عقود مضت، حين تناوب على حمل المسؤولية رجاله الذين عاشوا آلام الناس، فكانوا صوتهم المسموع، فسارعوا لحشد المعونة، وتوجيه قوى الإحسان في الاتجاه الصحيح، وقد كانت جمعية النجاة الخيرية سباقة في هذا الميدان، باعتبارها إحدى قلاع العمل الخيري الكويتي، فدأبها الدفع بالمبادرات الخيرية التي تحتوي الفقراء من أهل الحاجة، وتوفر لهم الأمان -خاصة داخل الكويت- مجاراة لرؤيتها الوطنية القائمة على توطين العمل الخيري.
ومع ميلاد نسخة جديدة من نسخ مشروعها المميز «أبشروا بالخير» لرعاية الأسر المتعففة بالداخل، فاتحة خير جديدة تساند النجاة عبرها أهلها ممن أقسمت على الوفاء لهم، فالنجاة لم تنسلخ مطلقا عن الواقع، ولم تتخل عن رسالتها المقدسة تجاه وطنها وشعبها، فالخصوصية في التعامل مع هذه الشريحة وما تستشعر من الحرج هو مبعث الفكرة وقوام المشروع، الذي طرح البدائل، وحشد جموع المتبرعين وجعلهم الظهير القادر على التخفيف عن كاهلهم، وفي تزايد إحصائيات التبرعات ما يقوي يقيننا بجدوى هذه المبادرات، وفاعليتها في حلحلة أزمات متأصلة في المجتمع، لتصبح مساعدتهم بردا وسلاما تقر به الأعين، وإشعارهم بالاهتمام، وجعل الخير رسالة يهنأ في ظلها المحتاج.