تواصل أسعار الذهب تحطيم كل المستويات القياسية، بدعم الكثير من العوامل الاقتصادية والسياسية وسط آمال خفض معدلات الفائدة حول العالم، لكن رغم حالة التفاؤل التي تسود أوساط المحللين بشأن آفاق أسعار المعدن النفيس، فإن استمرار الصعود يتوقف على تطور الصورة الاقتصادية وقرارات البنوك المركزية هذا العام.
وحققت أسعار الذهب تسوية قياسية بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، وذلك للمرة الثالثة عشرة منذ بداية عام 2024، وأنهت العقود الآجلة للمعدن النفيس تسليم شهر يونيو تعاملات الجمعة الماضية عند 2345.40 دولار للأوقية، وهو مستوى غير مسبوق.
ونجح المعدن الأصفر في تسجيل ثالث مكاسبه الأسبوعية على التوالي، بعد أن ارتفع بأكثر من 4% خلال الأسبوع الماضي، ومنذ بداية العام الحالي حتى تسوية الخامس من أبريل صعدت أسعار الذهب بحوالي 14%، لكن رغم الصعود لايزال الذهب بعيدا عن مستوياته القياسية بعد تعديل الأسعار وفقا للتضخم والمسجلة في عام 1980 عند 3000 دولار للأوقية.
عوامل داعمة للصعود
وقد أسهمت الحرب الروسية الأوكرانية والصراعات بالشرق الأوسط، في حالة من عدم اليقين بالأسواق العالمية، علاوة على تصاعد التوترات بالشرق الأوسط مع استمرار الحرب في غزة وفشل محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار ما دعم التدافع لحيازة المعدن باعتباره ملاذا آمنا في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية.
كما استفاد المعدن النفيس في الفترة الماضية من تكهنات قرب خفض معدلات الفائدة الأميركية، وهو ما يقلص تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، لكن محللين أشاروا إلى أن المشتريات القوية للذهب من جانب البنوك المركزية حول العالم كان لها أثر ملحوظ في ارتفاع المعدن.
وفي فبراير الماضي ارتفعت حيازة البنوك المركزية العالمية من الذهب بمقدار 19 طنا، لتواصل صافي المشتريات الموجب من المعدن للشهر التاسع على التوالي، وبلغ الطلب على الذهب من جانب البنوك المركزية نحو 1037.4 طنا في عام 2023، ما يعد أقل قليلا من المستوى القياسي المسجل في 2022 عند 1081.9 طنا.
الصين تقود الاتجاه
وكانت الصين أكبر مشتري الذهب في شهر فبراير الماضي، لتستمر في مراكمة المعدن للشهر الـ 16على التوالي، حيث اشترت الصين نحو 12 طنا من الذهب في فبراير لتصل حيازتها إلى 2257 طنا، لكن لايزال المعدن يمثل حوالي 4% من إجمالي الاحتياطيات.
ورفعت الصين احتياطياتها من الذهب بنحو 225 طنا في العام الماضي وحده، ليشهد 2023 أكبر وتيرة زيادة لمشتريات المعدن من جانب بكين منذ بدء جمع البيانات في عام 1977.
صعود يتحدى العقبات
رغم الارتفاع القوي للذهب في الأسابيع الأخيرة، فإن الاتجاه الصاعد يواجه بعض العقبات التي تمكن حتى الآن من تجاوزها، ونجح الذهب في مواصلة اتجاهه الصاعد مؤخرا، رغم ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية لمستويات قياسية، ومع تصاعد المخاوف بشأن تأجيل خفض الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي.
ووصلت مؤشرات الأسهم الأميركية لمستويات قياسية في نهاية شهر مارس الماضي، قبل أن تتراجع في الأسبوع الأول من أبريل تحت ضغط البيانات الاقتصادية القوية والتي قد تدفع الفيدرالي لتأجيل خفض الفائدة.
لكن لايزال مؤشر «داو جونز» للأسهم الأميركية مرتفعا بحوالي 3.2% منذ بداية العام، كما تبلغ نسبة ارتفاع مؤشري «إس آند بي 500» و«ناسداك» حوالي 9% و8% على الترتيب في نفس الفترة، كما جاء صعود الذهب في الفترة الماضية بالرغم من ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي لأعلى مستوياته في خمسة أشهر، قبل أن يتراجع عن هذا المستوى لاحقا.
ويعد مؤشر الدولار مرتفعا بنحو 3% منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، ومن المعروف أن ارتفاع الدولار يؤثر سلبا على المعدن النفيس، بالنظر إلى أنه يجعل شراء الذهب أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى.
توقعات إيجابية حذرة
وتتصاعد الأصوات التي تتوقع استمرار ارتفاع أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة، بدعم نفس الأسباب التي أسهمت في الصعود الحالي، ويرى «جوني تيفيس» محلل المعادن الثمينة في بنك «يو بي إس» أن توقعات انخفاض معدلات الفائدة الحقيقية لاتزال محركا مهما للتوقعات الصعودية للذهب.
كما لم يستبعد رئيس مؤسسة «روزنبرغ ريسيرش» وصول سعر الذهب إلى 3000 دولار للأوقية خلال الفترة المقبلة، ويعتقد أن وتيرة ارتفاع أسعار الذهب ستتوقف على سيناريوهات أداء الاقتصاد الأمريكي وما إذا كان سينجح في تفادي الركود، بالإضافة إلى تطور التوترات الجيوسياسية.
لكن على الجانب الآخر، لا يعتقد بعض المحللين أن الذهب قادر على تحقيق مكاسب كبيرة هذا العام، مقارنة بسلع أخرى مثل الكاكاو، والتي سجلت ارتفاعات تتجاوز 100% منذ بداية عام 2024، بفعل ضعف المحصول في دول مثل ساحل العاج وغانا.