يخوض الجزء الثاني لملحمة أفلام «Dune» غمار الآفاق بتوقعات مرتفعة، خاصة بعدما أبهرنا دينيس فيلنوف بإبداعه البصري الخلاب وتحويله رواية «Dune» إلى مركز إشعاع يجذب عشاق القراءة والسينما على حد سواء، فبعد مضي أربعة أعوام من ظهور الفصل الأول، نحل ثانية في كوكب Arrakis لنشهد فصلا جديدا من ملحمة «بول أتريديس» ومسعاه الانتقامي العارم لتكريم ذكرى عائلته، حيث تعود الأضواء لتسطع على مجموعة من الألقاب الفنية المتميزة (تيموثي شالاماي وزيندايا وجوش برولين وديف باتيستا وريبيكا فيرغسون)، بينما يستقبل الجزء الجديد نجوما بزغت أسماؤهم مثل فلورانس بيو وأوستن باتلر وكريستوفر واكن.
ينسج «Dune: Part Two» حكايته خلال ساعتين وستة وأربعين دقيقة من دون أن يلقي بالمشاهد في بحر الملل، حتى مع استرساله في لقطات تستعرض تنوع البيئات الفضائية والكواكب المتخيلة، فالفيلم يحافظ على إيقاع متزن متقن في سرده، وهي مهمة شاقة نظرا لأنه قد أتم في جزئه الأول تقديم العالم والشخصيات الرئيسية ودوافعها، بالأخص بطلنا «بول أتريديس».
يستهل الجزء الثاني بالبناء على أسس موضوعة سابقا وشخصيات مستكشفة بالفعل، ويتمكن من تعزيز اهتمام المتفرج بشكل متصاعد، مقدما تعقيدات جديدة في شخصية بطلنا «بول» وتأقلمه مع حياة الأهالي الأصليين للكوكب، وهي حياة تبتعد كل البعد عن ديبلوماسية ماضيه، وتعمل على تشابك العلاقات أثناء مسيرته في البحث عن مصيره.
يواصل «تيموثي شالامي» تألقه بتصوير رحلة شاب يبحث عن هويته ويتساءل عن صحة الاعتقاد بأنه المخلص المنتظر، أما «زيندايا» التي لاتزال تشاركه البطولة، فتأخذ الوقت الكافي على الشاشة لتبرز مهارتها الفنية، وتترك الأسماء الجديدة بصمة واضحة في العمل، حيث يبرع كريستوفر واكن بدور الإمبراطور، ويخطف أوستن باتلر الأضواء بشخصية الشرير، فيما تقدم فلورانس بيو تجسيدا ممتازا لشخصية جديدة نتطلع لرؤية مزيد من تطورها في المستقبل.
القضايا التي يطرحها الفيلم بين سطوره متشعبة ومعقدة، فرغم أن قصص الخيال العلمي قد تبدو بمعزل عن واقعنا، إلا أنها إذا تمعنا فيها تظهر انعكاسا لما يدور في محيطنا لكن في أزمنة وعوالم مغايرة، فقد يجد المرء نفسه مشدودا إلى خوف «بول أتريديس» من مصير يفترض أنه محتوم، أو يتعاطف مع أزمة هويته، أو يتأمل في تحديات فقدان الألفة وسط تغيرات جذرية تعصف بحياته.
يقدم «Dune: Part Two» نفسه كواحد من أفضل الأجزاء المكملة في تاريخ السينما، وهو لقب يثير نقاشا محتدما بين محبي الفن السابع، فكثيرا ما تجد سلاسل الأفلام تتخبط في الحفاظ على نوعية سردها بالجزء الثاني، لكن الفيلم يستحق الإشادة لتفوقه على مقدمته بكل مقياس، من تطور الشخصيات وتنوع العوالم إلى المعارك الحماسية والمؤثرات البصرية المذهلة.
ولا تكتمل التجربة السينمائية من دون الموسيقى التصويرية التي تثري المشاعر وتعزز الأجواء، وهنا يأتي دور هانس زيمر الذي يقدم تأليفات صوتية تلهب الحواس، فتصير جزءا لا ينسى من العمل، مضفية سحرا خاصا على المشاهد الأكثر تأثيرا.
إن «Dune: Part Two» ليس مجرد جسر يصل بين بداية الملحمة ونهايتها، بل تجسيد للقصة بأكملها، ويعطي السلسلة عمقا وتماسكا يستحق المديح، ويعد «تحفة فنية» تظهر كيف يمكن للخيال العلمي أن يتقاطع مع الواقع الإنساني، وكيف يمكن للسينما أن تتحدى حدود الزمان والمكان لتقدم رؤى عميقة حول الوجود والمصير والهوية.